dimanche 25 décembre 2022

من أساليب وطرائق التدريس تنوع الأداء داخل الفصول،،،،،

 من أساليب وطرائق التدريس تنوع الأداء داخل الفصول،،،،،

اعداد/ د. فرج دردور

يعد الطالب محوراً أساسياً تدور حوله العملية التعليمية، ولهذا تُسخر كل الوسائل في هذه العملية لخدمته، وعليه فإن التركيز ينبغي أن يتم على توصيل المعلومة للمتعلم بشكل جيد، بل وإشراكه بشكل مباشر في حوار فعال داخل الفصل، ولتحقيق ذلك لابد أن يستعين المعلم بالوسائل الفنية والتقنية الحديثة كالبرامج الالكترونية التي تساعده على ترسخ المعلومات بدهن المتعلم بعد استيعابها. كما يمكن للمعلم استخدام أساليب ووسائل توظف بشكل فعال من أجل تحقيق الأهداف المرغوب فيها. ومن هذه الوسائل والأساليب سهولة الإلقاء وحسن التلطف في تفهيم الطالب وتقريب المعنى من غير اكثار لا يحتمله ذهنه، كما ينبغي التركيز على إعادة الشرح والتكرار وتصوير المسائل ثم توضيحها، واختيار وسائل الإيضاح المناسبة لمواضيعها وفي الوقت المناسب من الحصة، مع ضرورة الحرص على تنوعها.

كل هذا يخدم غرض جذب انتباه المتعلم الذي هو المحور الأساسي في العملية التعليمية.

ومن خلال ما سبق يمكن إجمال الأهمية التربوية للوسيلة التعليمية فيما يلي:

تساعد الطالب على فهم الدرس واستيعابه بسهولة.

تساعد على جذب انتباه الطالب لموضوع الدرس.

تعمل على تشويق الطالب للدرس وتزيد من دافعيته للدرس.

تساعد على ترسيخ المعلومة في ذهن الطالب فيصعب نسيانها.....

سيرد البعض، بأنني أطرح أشياء مثالية يصعب تطبيقها في ليبيا... إلخ.

وأنا أقول: هذا ما ينبغي القيام به، لأنه ليس من بنات أفكاري، وإنما هو من خلاصة بحوث علمية وتجارب معملية تم تجريبها واثبتت نجاحها، والمال المهدور وما يصاحبه من فساد في وزارة التعليم، كفيل بأن يحقق كل المطلوب لتطوير التعليم، وعليه فإننا نحتاج إلى فكر يستوعب هذا التطور وعناصر متخصصة تتعاون مع بعضها، لتنفيذ هذا التحول. 

ولدينا في العالم دول كثيرة نجحت إلى حد بعيد في تحقيق نقلة نوعية في تطوير التعليم، ومنها الأردن والبحرين وقطر وغيرهم. هذه الدول طورت مناهجها ودربت معلميها تدريبا إضافيا جيدا على تنفيذ هذا التحول، ولم تكتف بالسخرية منهم مثلما يفعل كثيرا من الليبيين، لا بل أن هذه الدول تبجلهم.

لغة الإعلام المرئي وأثرها في انتشار سلوك العنف بين الأطفال في ليبيا

د. فرج امحمد دردور


جامعة طرابلس/ كلية الآداب


fdardour@gmail.com

الملخص:

حظيت لغة الإعلام باهتمامنا، بعد أن سجلنا تأثيرها السلبي على المتلقين لبرامجها المختلفة. وقد سبقنا بعض الباحثين في ملاحظة انعكاس المضامين الإعلامية المعروضة على سلوك المشاهدين بشكل عام، إلى درجة أن هذه المضامين، خلقت نظرة خاطئة ومختلفة عن حقيقة العالم الذي يعيشون فيه، وبلورت أفكاراً جديدة لم يكن يعهدها الإنسان قبل انتشار هذه التقنية. وأكثر ما لفت انتباهنا، مشاهد العنف المعروضة عبر وسائل الإعلام الليبية؛ الأمر الذي أدى إلى اهتمامنا بدراسة أسباب تفشي ظواهر العنف المختلفة بين الأطفال في ليبيا، وكيفية تقبل المشاهدين لهذه المشاهد المؤثرة؟ وأي نوع من التأثير تتركه المشاهد السلبية في نفوسهم بعد التعرض لها؟ وخاصة لدى الأطفال؛ وهو ما نراه أهمية بالغة الشدة يجب أن يركز عليها بحثنا.

ولا يمكن تصور أن الإعلام يخاطب الناس بغير لغتهم التي يتفاعلون بواسطتها، ويقضون حاجاتهم بها ومنها المعرفة، ومن هنا تأتي أهمية اللغة المستخدمة من حيث مطابقتها لمعايير التربية. هذه الأخيرة، كثيراً ما يقع فيها الخلل، عندما يهدف الإعلام إلى توفير المعرفة للمتلقي عبر وسائله المتعددة ومنها التلفاز. وذلك وفق توجهه الذي يضبط منهجه ويحقق أهدافه، والأداة المستعملة في توصيل هذه المعرفة هي اللغة بشكل أساسي، وتأتي الصورة لتصديقها والتدليل عليها. حيث يقول الدكتور أحمد الرشراش في هذا الصدد: " وإذا كانت اللغة من أهم وسائل الاتصال، فإن سلطانها أزداد وقوتها تضاعفت في أداء وظيفة الاتصال عن طريق الإعلام".

الكلمات المفتاحية:

لغة الإعلام – محاكاة الأطفال – تأثير سلبي – عنف يمارس

The Language of Media and its impact on the prevalence of violence bahaviour among children in Libya

Abstract:

Information Media have received great interest from researchers, due to their evidently negative effect on the audience. Researchers have noted that media significations are reflected on the audiences' behavior to the extent that such significations contributed to creating a different and false view of the real world in which they live, and crystallized new thoughts that were not conventional to man prior to the emergence of this technology.

What mostly drew researchers' attention were the scenes of violence presented through media channels. They plainly motivated scientists to examine the causes behind the dissemination of various aspects of violence, how viewers would receive such pathetic and effectual scenes, and the type of passive effect left in children minds after exposure.

It would not be rationally conceivable that the media would address people in language other than their own through which they interact and fulfil their needs; hence comes the importance of language utilized in information media that ought to correspond with Education standards and norms. The latter is often flawed when the information media are aimed to provide knowledge to recipients through its various means like T.V's. whose approachs govern the used methods and help achieve the planned objectives, with language as the mere available tool used to communicate knowledge. Such picture comes to be believed and demonstrated in ccompatibility with what A. Al-Rashrash says: "If language is one of the most prominent means of communication, its ascendancy has vividly increased and its power has multiplied as to performing communication function via media".

Key words:

Media language - simulating children - negative influence - violence practiced.

 

 

المبحث الأول الإطار المنهجي للدراسة

مقدمة:

ذهبت بعض الدراسات إلى أن الإنسان العادي يتحصل على نسبة 89% من معارفه عن طريق حاستي السمع والبصر، ويأتي في مقدمة هذه الوسائل من حيث الانتشار والاستعمال جهاز التلفاز، الذي تصل نسبة توفره في المنازل إلى 98% وفق بعض الدراسات التي أجريت على الأمريكيين والإنجليز واليابانيين.[1]

وعلى الرغم من أن مشاهد العنف وما يصاحبها من لغة، ليست من إنتاج القنوات الإعلامية نفسها، إلا أنها تقوم بنشرها وتعميمها على كل غافل عنها، وتعيد تكرارها لمن يحاول نسيانها، في الوقت الذي يجب أن يكون دورها الأساسي مساهماً في التقليل من أثارها؛ إذ يقول الباحث تيسير بن سعد بن راشد: "طفلة صغيرة طلبت من والدها كتاباً معيناً وأوصته بشرائه، فمر اليوم الأول والثاني والثالث وهي تكرر عليه الطلب ولم يحضر الكتاب المطلوب، فانزعجت من ذلك وضاق صدرها، فما كان منها إلا أن قالت لوالدها: طلّقني!!"[2]. وهذا اللفظ الذي صدر عن الطفلة في غير سياقه، إنما أطلقته محاكاة لما شاهدته من مسلسلات تلفزيونية، وقد كان أثر هذه المسلسلات واضحاً في نفسيتها، فجاءت لحظة الغضب لتكشف عن هذا التأثر.

وإذا ركزنا على زمن الأزمات والحروب الذي تزداد فيه القنوات التلفزيونية انتشاراً، نلاحظ قلة التقيد بالضوابط المهنية. حيث تدعم هذه القنوات ــ في الغالب ــ سياسة ممولها الذي أسسها لخدمة أهدافه الخاصة وتلبي توجه الفئة السياسية أو الاعتقاد الأيديولوجي الذي ينتمي إليه، والتي قد تتعارض مع حاجة المجتمع المعرفية والثقافية المجردة من هذه التوجهات. وهكذا فإن هذه القنوات التلفزيونية وهي تخدم أغراض ممولها، تعمل على ربط الصورة البشعة باللغة الخشنة، فتساهم في نشر خطاب الكراهية بالمجتمع. ولتعزيز هذا الخطاب تستعمل الألفاظ القاسية والعنيفة وقد تكون مخلة بالأدب، فتكتمل الرسالة السيئة لتصل إلى المتلقي مشوهة الدلالة، فيتشبع بمفرداتها أطفالنا في وقت مبكر، مما يؤثر في سلوكهم مستقبلاً. وبهذا تفرض هذه الفضائيات على المجتمع أسلوباً تربوياً عنيفاً غير مرغوب فيه، فتهدد أمنه وهي تعمل على تأجيج الصراع والحرب الأهلية، التي تبدأ بنشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتدعمه بالأساليب (التعبوية والشعبوية)، التي تستهدف الطبقة غير المثقفة بالدرجة الأولى"[3].

مشكلة الدراسة:

تركز الدراسة على الأثر السلبي ــ في الغالب غير المقصود ــ الذي تتركه لغة الإعلام عندما ترسخ بعض المفردات المرتبطة بسلوك العنف في ذاكرة الأطفال، هذه المفردات تكون جاهزة للاستحضار في أي وقت يحتاجها الطفل استجابة لسلوك العنف، ومن جهة أخرى ربط الخطاب نفسه بالصورة التي تنقلها التلفزيونات من ساحات المعارك، اعتقادا منها بأنها تنقل الحقيقة كما هي وتدلل عليها بالصورة لجلب ثقة المتلقي. هذا الأثر سوف تمتد انعكاساته الى سنوات طويلة إذا لم يتم تداركه وفق معايير التربية وعلم النفس التي يجب أن تضبط أسلوب الخطاب الإعلامي.  

تساؤلات الدراسة:

تطرح الدراسة التساؤلات التالية: -

س: إلى أي مدى تؤثر لغة الإعلام في انتشار سلوك العنف بين الأطفال في ليبيا؟

س: هل استطاعت القوانين الدولية والمحلية الحد من الظاهرة؟

س: ما هو أثر سلوك العنف المدعوم بلغة تسبقه، على استقرار المجتمع؟

س: عندما تترك حرية اختيار الأطفال لألعابهم في مواسم الأعياد، لماذا يميلون إلى شراء الأسلحة المصنعة للعب؟

 س: كيف يتم تحسين لغة المحاكاة اليومية لدى الأطفال المتأثرين بلغة الإعلام زمن الحروب؟

أهداف الدراسة:

1 ــ اثبات ارتباط بعض من سلوك العنف لدى الأطفال بالمشاهد التلفزيونية من خلال المحاكاة.

2 ــ التعرف على أسباب زيادة انتشار سلوك العنف بين الأطفال.

3 ــ تحديد المسؤولية التي تقع على وسائل الإعلام. 

4 ــ حث وسائل الإعلام على تبني سياسة الانضباط بالحد الأدنى من قواعد التربية وعلم النفس.

5 ــ احاطة مؤسسات الدولة بأهمية الاستثمار في التربية والتعليم كمنظومة تدرب النشء على تهذيب الخطاب.

أهمية الدراسة:

لما كانت اللغة الإعلامية تتسبب في أضرار تربوية جسيمة عند الأطفال، كسبب ثانوي لا يقصده العاملين في مجال الخطاب الإعلامي، الذين لا يتذكرون الأثر السيء على فئة الأطفال وقت توجيه خطابهم، كان واجبنا التنبيه عن هذه الظاهرة، ولن يكون الكلام حولها مجديا دون دراستها في سياق البحث العلمي المجرد من العواطف والتحليلات الظنية.

المنهج المستخدم في الدراسة:

استخدم الباحث المنهج الوصفي، والتحليلي من خلال تحليل الظاهرة مباشرة، وذلك من واقع بيئة الدراسة.

أدوات جمع الدراسة:

الملاحظة المباشرة، وتتبع لغة الاعلام زمن الحرب وأثرها السلبي على الأطفال.

عينة الدراسة:

1 – مشاهدة القنوات التلفزيونية الليبية.

 2 – ملاحظة أطفال ليبيا من مختلف المراحل العمرية من الذين يتأثرون بالظاهرة.

اللغة مخزون للفكر ووسيلة للتعبير:

النظرة الحديثة للغة، تضعها في مجالها الطبيعي وهو الاستعمال وأثره في التربية، فنحن نربي الطفل بكلمات تحدد سلوكه فيما بعد، فما قدمناه له وخزنه في ذاكرته الدائمة، هو ما سيرجعه لنا عندما يتعرض لموقف معين، وبناء على هذه المفردات سيتصرف[4]. وإذا كَبر أحدهم وصار يعمل في قناة إعلامية، ولم يتم تعديل سلوكه مهنياً بطريقة صحيحة، سوف تؤثر لغته بشكل سلبي على المجتمع بأكمله، لأنه يخاطب جمهوراً كبيراً عبر هذه التقنية المنتشرة في كل بيت.

وباختصار فإننا نفكر باللغة، حيث لا نستعمل الصوت (الكلام) إلا إذا أردنا مخاطبة غيرنا، أما عندما نسير في الطريق ونحن لوحدنا في السيارة مثلاً، فإننا نتحدث مع أنفسنا بالفكر[5]. ومن ذلك: إذا كنت تقصد مكاناً لشخص وصلتك معلومة بأنه أساء إليك، فإن مخزون اللغة هو من سيحدد ردة فعلك، حيث يكون تفكيرك منصباً على كيفية الاعتداء عليه والتخطيط للإيقاع به ولربما ضربه، عندما يكون محصولك اللغوي عنيفاً، هذا المخزون هو الذي أسس لطريقة تفكيرك. أما إذا كان محصول لغتك متوازناً معدلاً بالثقافة، فسوف ينصب تفكيرك في اتجاه اللوم والعتاب. وهنا يلعب مخزون اللغة السابقة دوراً مهماً في تحديد نمط التفكير، فإذا ما كان متسامحاً سيؤدي إلى المصالحة، أما إذا كان عنيفاً سيؤدي إلى الاعتداء بالضرب أحياناً. وهذا يوضح أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تلاحم وترابط، وبالتأكيد فإن الإعلام يلعب الدور الأكبر في ترسيخ هذه اللغة في أذهان النشء.[6]

العنف بأنواعه وأثره في تقويض حركة المجتمع:

  العنف لغة وفق ابن منظور: الخرق بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق[7].

وفي الاصطلاح: فهو الشدة والقسوة ضد الرفق. ومنهج الإسلام يقوم على الرفق واللين لا على العنف والشدة والغلظة[8].

وقد عرف علماء العصر الحديث العنف تعريفات مختلفة منها: أنه تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس، أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة، أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل، نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى[9]. ويعبر العنف عن القوة الظاهرة، حيث تتخذ أسلوباً فيزيقياً (مادياً) مثل الضرب، أو الضغط النفسي، بقصد إدلال الضحية، أو يأخذ صورة أخرى تمثل الضغط الاجتماعي[10].

وأضيف إلى التعريفات السابقة للعنف: بأنه الاعتداء اللغوي أو الجسدي الذي يلحق الأذى بالآخرين أو ممتلكاتهم أو العبث بالمؤسسات العامة. وقد يشمل العنف إجبار الضحية على ترديد أقوال تسيء لأدميته. ولا وجود لأي دليل علمي يثبت فرضية: (هذا شعب أصيل وذاك غير أصيل)، لأن الأصالة تكون في التربية، وهي نسبية حتى في أحسن الظروف. ويستمد العنف مشروعيته من اعتراف المجتمع به، كالمستخدم ضد النساء. ويلعب أسلوب الخطاب الدور الحاسم في نوعية وحجم العنف بشكل عام.

وعلى الرغم من أن نصوص القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، تكفل حماية خاصة للأطفال، فإن الصليب الأحمر يحذر دائماً من ظاهرة إجبار الأطفال على المشاركة في خضم الصراع المسلح، لأن هذه الظاهرة لا تتقيد بالقوانين. وكل يوم يسقط الآلاف من الضحايا الذين قتلوا، أو جرحوا في سياق الصراعات المسلحة، وأكثر من نصف هؤلاء الضحايا الأبرياء هم من الأطفال.

وقد شكلت الحرب العالمية الثانية منعطفاً درامياً، عندما كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وهو ما عليه معظم الصراعات التي يكون أغلب ضحاياها من المدنيين، ويتأثر الأطفال بشكل خاص بهذه الصراعات. ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإن مليوني طفل قتلوا، وستة ملايين فقدوا منازلهم، واثني عشر مليون أصيبوا أو شوهوا في السنوات العشر الماضية، أضف إلى ذلك مشاركة الأطفال في أعمال القتال بالصراعات المختلفة. ناهيك عن تأثر الكثيرين منهم بأعمال العنف[11].

وما نلاحظه اليوم من ممارسة العنف أو التحريض عليه من قبل بعض الناس، ما هو إلا انعكاساً لتربيتهم القاسية التي تعرضوا لها ما قبل سن 7 سنوات، والدليل قد يوجد ممن يحمل شهادات عليا في المجالات المختلفة، ويحرضون على العنف أو يقومون به، على الرغم من أنهم على درجة عالية من العلم والمعرفة، ومع ذلك لم يتأثروا بعلمهم وبقوا يحاكون تربيتهم الأولى كلما استيقظت فطرتهم، وهؤلاء تجدهم في الغالب يمارسون العنف حتى مع أسرهم.

وقد أولى الدين الإسلامي اهتماماً كبيراً بتربية النشء، على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية، حتى يكون الإنسان مستقيماً صالحاً لأسرته ومجتمعه. قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ﴾[12].

وقد اهتمت الدول المتقدمة بالتربية المبكرة، حيث هيأت كل السبل التي تساعد على توفير رعاية كافية للأطفال وخصوصاً في سن الحضانة، ورياض الأطفال. فقد بلغت المصروفات على الطفل الواحد في مرحلة الحضانة بفرنسا مثلاً، ما يعادل 25 ألف دينار سنوياً، توفر من خلال هذا المبلغ كل المستلزمات المطلوبة للتربية العصرية، أضف إلى ذلك اهتمام الدول ببرامج التوعية الأسرية التي تتابعهم حتى في بيوتهم[13].

وهذا الاهتمام يعكس رغبة هذه الدول في الإشراف التربوي المباشر على الأطفال منذ سن مبكرة عن طريق كوادرها التربوية المدربة. هذا الإشراف التربوي تم إهماله ــ إلى حد كبير ــ من قبل مؤسسات الدولة الليبية؛ لا بل إن المعلمين أنفسهم يمارسون العنف ولو بشكل لغوي من خلال بعض الألفاظ التي يهدف من خلالها المعلم معاقبة المتعلمين، أحياناً بسب ارتكابهم لأعمال عنف، وقد تكون طرائق التدريس في المؤسسات التعليمية تعتمد بشكل غير رسمي، استخدام العنف كأسلوب للتربية، رغم إنكار مديري هذه المؤسسات.[14]

الانفلات التربوي وأثره في انتشار سلوك العنف:

سلوك العنف الذي يبدأ منذ الطفولة ويستمر مع مراحل عمر الإنسان ويعكس تصرفاته التي تؤثر سلباً في مجتمعه، مرده غياب ثقافة الحوار الناتجة من عدم اقتران التعليم بالتربية، وفق منهج علمي يتغذى من مراكز البحوث العلمية التربوية، التي تعمل مؤسسات الدولة تحت شروطها ومنها الإعلام. وفي ظل وجود تربية منفلتة لا تتقيد بالقواعد العلمية للتربية وعلم النفس، ومصحوبة بلغة عنيفة، فإن الديكتاتورية تبدأ من الأسرة، حيث أن العلاقة الأسرية في الغالب تخضع لأسلوب الأوامر والطاعات، ويتحكم فيها مزاج الأفراد عند تربية الأبناء، إما عاطفة مفرطة، وإما عقاب لدرجة السادية. هذا النوع من العلاقات المضطربة نتيجة التربية المنفلتة عند بعض الناس، يعكس سلوك العنف المنتشر ــــ إلى حد كبير ـــ بين كثير من الليبيين حتى المتعلمين منهم، وهو ما يفسر غياب مبادرات حقيقية تهدف للمصالحة الوطنية. وتظل الأنانية والانتصار للذات، وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة الوطن، هي الشكل البشع الذي يحكم العملية السياسية في ليبيا.

ولعل ما يحدث اليوم من انفلات تربوي، هو جزء من حصاد عصر الانحطاط الفكري والانحراف السلوكي الذي تراكمت مقوماته عبر عصور امتدت منذ انهيار الدولة العباسية إلى يومنا هذا، والذي يعبر عنه بعض العلماء بنهاية عصر الاستشهاد العلمي. هذا الرأي يعكس الحالة العلمية التي اختزلت الفكر في عقول أهل السلف، وأعقبه تصحر ثقافي عبر عنه سلوك العنف، الذي هو نتيجة طبيعية للانهيار العلمي والمعرفي الذي تمر به الأمة، حتى صار التفكير في تجديد الخطاب يعني التمرد على التراث القديم، وما يحدث اليوم هو خير مثال لهذا الوصف، الذي عبر عنه الباحث وليد حسني زهرة  بقوله: "ليس من نافلة القول التأكيد على أن الخطاب الديني للحركات الإسلامية، والخطاب السياسي للأنظمة العربية الرسمية قد شكل الحاضنة الخصبة لتنامي خطاب الكراهية في السنوات الأخيرة وخاصة ما بعد سنوات "الربيع العربي" وهذه حقيقة بدت ــ للأسف ـــ أكثر من حقيقة واقعة تمشي على الأرض"[15].

فلم يكن أحداً يتوقع أن تتحول ليبيا من بلد يسوده الأمن والسلام نتيجة سياسة الاعتدال المنهجي الذي عليه أغلب الليبيين، إلى أن تفاجأ الجميع بظهور الجماعات التي تمارس الإرهاب الفكري، وتنتج العنف بمختلف أشكاله، وهي تعتمد على مصادر اجتهاد غير محلية، تستند عليها في الغلو والتطرف الذي يبرر تكفير الدولة شعباً ومؤسساتٍ، بلغة الوعيد وبيانات التهديد. وقد ساهمت وسائل الإعلام المختلفة في نشر هذا السلوك وما يحتويه من مشاهد عنف، حتى صار الانحراف في المسلك هو العنوان العريض الذي يسوس به الناس. فتحولت الحياة بمختلف مظاهرها إلى جحيم لا يطاق، يدفع بالناس إلى التفكير في الهجرة هرباً من واقع غير مألوف اختلط فيه الحابل بالنابل، تساق فيه الأمور في غير مساراتها، وتسمى فيه الأشياء بعيداً عن صفاتها[16].

القنوات التلفزيونية ودورها في انتشار سلوك العنف بين الأطفال:

أحدثت القنوات الفضائية تغييرات جوهرية في المجتمع العربي، حيث كونت مصدراً أساسياً لثقافة الكبار ورافداً مهماً لتنشئة الصغار، لا بل صارت من أهم وسائل الاتصال الحديثة التي تؤثر في العملية التربوية. ففي هذا الصدد يقول الباحث سعادة خليل: "يعيش البيت العربي وضعاً انفلاتياً في مشاهدة القنوات الفضائية التي اقتحمت البيوت دون استئذان وشاركت الأسرة في خصوصياتها وفي أدق علاقاتها الاجتماعية. وبدأت العلاقة بين أفراد الأسرة تأخذ شكلا مغايراً للمفاهيم الأسرية التقليدية، فأصبحت القنوات الفضائية شريكاً للأسرة والمدرسة في تربية النشء، إن لم تكن هي الأولى في هذا السياق"[17]. وذلك لما تتمتع به من خصائص وإمكانيات لا تتوفر في وسائل أخرى، حيث صار التلفاز هو الضيف المقيم الذي لا يغادر البيت حتى وإن كان رب البيت خارجه. إذ يقول في هذا السياق الباحث محي الدين عبد الحليم: "ويرتبط بقضية التكنولوجيا قضية أخرى فرضت نفسها مؤخراً على الساحة الإعلامية، وهي إشكالية البث المباشر عبر الأقمار الصناعية، لكي تشكل غزواً جديداً لن تفلح الرقابة والمنع في مواجهته"[18]. حيث أظهرت أحد النتائج التي صدرت عن المركز الليبي لحرية الصحافة في تقريرها المعلوماتي والتحليلي بعنوان: (رصد خطاب الكراهية في القنوات التلفزيونية)، الدور السلبي لوسائل الإعلام الليبية، وقد تم في عملية الرصد، التركيز على 9 قنوات فضائية، اعتبر التقرير بأنها الأكثر تأثيراً في الصراع السياسي والعسكري والأمني القائم حالياً، وجاءت النتائج كما هو في الشكل التالي:

المركز الليبي لحرية الصحافة

وعلى الرغم من أن هذه العينة غير محدثة، ولم تضبط بدراسات مشابهة على هذه القنوات التي بعضها توقف بثها، ولم يتم التحقق من دقنها بدراسات تراكمية، فإنها تكشف عن وجود الظاهرة التي وجب الوقوف عندها، حتى وإن تمت في ظروف غير ثابتة.

إن بعض القنوات الليبية تبث مشاهد الرعب والقتل والدمار وتقرنها بلغة تبرر سلوك العنف؛ لا بل تصفه بالعمل البطولي كونه صادراً من الطرف الذي تروج له، دون مراعاة لأثر ما تعرضه شاشاتها على تربية الأطفال، وهي تغرس فيهم سلوك العنف. وهذا ما يؤكده الباحث محمد شلوف، عندما أرجع أسباب تعدد السلوك العدواني عند الأطفال إلى عدة عوامل منها: "مشاهدة الصور والمجازر المروعة التي تعرضها الفضائيات من مشاهد القتل والضرب والاعتقال أثناء تغطيتها لساحات القتال، والحروب المدمرة التي تحدثها التكنولوجيا العسكرية، كما يحدث اليوم في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وفلسطين"[19].

وقد ظهر هذا الأثر واضحاً بالفترة الأخيرة في سلوك بعض الأطفال الذين صاروا يحاكون مشاهد العنف في ليبيا، وذلك بتفضيلهم اقتناء الأسلحة (البلاستيكية) أو الخشبية عند اختيارهم للعبهم. وهؤلاء سوف يحملون السلاح عندما يكونوا قادرين على حمله، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً تظهر انعكاساته السلبية لاحقاً، حيث سترتفع وثيرة انتشار سلوك العنف داخل المجتمع الليبي، ويزداد معدل الجريمة في البلاد؛ إذا لم تتم معالجة الظاهرة في الوقت المناسب. وهذه إحدى الصور الملتقطة من المشهد الليبي:

صورة متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي

ولعل من أهم سلبيات القنوات الفضائية الليبية، أنها تفرض على المجتمع الليبي أسلوباً تربوياً هدَّاماً، سيؤدي في وقت لاحق، إلى انتشار الجريمة على نطاق واسع، نتيجة تأثر النشء بمشاهد القتل واستعمال السلاح. وفي هذا الصدد يقول الباحث أنور الجندي: "وبذلك كانت الصحافة من أكبر العوامل في هدم مقومات الأسرة وتمزيقها وتدمير وحدتها بالخطأ والانحراف على الأجيال الجديدة (إلى جوار تأثير السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون)"[20].

ومما زاد الطينُ بَلَّة، فإن هذه القنوات تخلط بين المفاهيم؛ عندما تضع السلوك المستقيم والسقيم في سلة واحدة. فهي تسمي المجرمين بغير مسمياتهم، لمجرد أنهم يساندون الطرف الذي تدعمه، الأمر الذي جعل المجرمين يتحركون بحرية، تحت مسمى أمني ينسب إلى أجهزة أمنية وعسكرية، وبهذا تشترك هذه القنوات في الجريمة، عندما تغطي على مرتكبيها؛ فتزيد من معاناة الناس، نتيجة الضرر الذي يلحقهم، من قتل وخطف وغيرها، ولعل المقابر الجماعية المكتشفة مؤخرا في مدينة ترهونة تمثل بشاعة المشهد الذي يعكس سلوك المجرمين في ترهونة الذين اتخذوا من التلفاز وسيلة لتبرير جرائمهم.

محاكاة الأطفال لمشاهد العنف والتطرف التي تعرضها التلفزيونات:

بعض القنوات التلفزيونية الليبية تبث مشاهد العنف والقتل واستعمال السلاح على شاشاتها، دون مراعاة لأدنى قيود المهنة، وهي تنشر هذه المشاهد المؤسفة بين الناس؛ لا بل تستضيف محللين سياسيين يحرضون على ممارسة العنف، ويستخدمون لغة التهديد والوعيد في خطاباتهم التحريضية، هذه الخطابات تتحول ــ أحياناً ــ إلى رسائل توجه أفعال بعض المعجبين. وهنا تؤكد الباحثة (كاترين كربرات)، على ارتباط الأفعال بالكلام حيث تقول:[21] "الفعل متعلق بإنجاز الكلام، باعتبار أن اللغة لا تتجلى في كونها تمثيلاً للعالم؛ بل هي نشاط عملي يسعى لتحويل العناصر اللغوية من إصدارات صوتية إلى أفعال لها وظيفتها الاجتماعية: فالكلام بدون شك تبادل للمعلومات ولكنه أيضاً تحقيق لأفعال. [22]".

ومما زاد الأمر تعقيداً، أن كثيراً من الفضائيات تعرض بيانات المتطرفين المقروءة التي يهدد أصحابها بارتكاب أعمال عنف بشعة، كالتي تقوم بها المنظمات الإرهابية. وهذه الصورة التي تحاكي مشاهد العنف، تؤكد تأثر هؤلاء الأطفال بما تبثه القنوات التلفزيونية من هذه البيانات:

صورة متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي

 

وبسبب الحاجة الى الأمن ارتبطت شريحة كبيرة من ليبيا بالمجموعات المسلحة، فتحولت بعض هذه المجموعات من الأداة التي من المفترض أنها منتجة للأمن، إلى آلة عنيفة تعبر عن رغبة جامحة في اشباع سلوك العنف عند كثير من الليبيين.

واليوم وبنفس الطريقة تقريباً، يرتبط بعض من الليبيين بالجيش، ليس كمؤسسة عسكرية تقوم بواجب مهني، وإنما كأداة منتجة للعنف بحكم التخصص، هذه المؤسسة يمكن أن تشبع رغبة المعنفين، إما بأثر تربيتهم الأولى، أو أنهم تعرضوا للتعنيف من قبل المسلحين، أو أنهم شاهدوا مواقف عنيفة أثرت في نفسياتهم بأية مرحلة من مراحل حياتهم. هؤلاء لديهم رغبة جامحة في الانتقام والتشفي، وبعضهم من السادية حتى أنه تعلق بقيافة الجيش. هذه الأخيرة لعب على وترها بعض العسكريين، فركزوا على ارتداء أفخر الملابس العسكرية، على الرغم من أنهم لا يقاتلون، وذلك لأجل توطيد العلاقة العاطفية بينهم وبين محبيهم، الذين صاروا يتهجمون لغوياً على كل من لا يخصص بعض من وقته للاحتفاء بالجيش، وهم في ذلك يقلدون لغة الإعلام ويحاكون تصرفات ما يعرض على شاشاته من خلال خلق عدو دائم سمي (محاربة الإرهاب)، وهو الجسم الذي يوفر البيئة الملائمة لتبرير أعمال العنف، بسبب عدم اختلاف الليبيين على ضرورة محاربته، مما جعل كثيراً من المجموعات المسلحة يتقمصون هذا الدور الذي صورته بعض القنوات الفضائية، بأن (سيئاته تضاف إلى ميزان حسناته). ولعل من أهم مظاهر هذا الدور الاجرامي لهذه المجموعات هو ممارسة العنف في أقصى درجاته ضد الأسر على خلفيات عرقية واجتماعية، حيث تم اختطاف الرجال من أمام أطفالهم ونسائهم، مما جعل أسرهم تعاني من مأساة مستمرة بفقدانهم، إلى درجة أن الأطفال يطالبون بتحديد مصير أباءهم، وفي الجانب الأخر يشاهدون عبر التلفاز كل يوم، اكتشاف مقابر جماعية، يمكن أن تأوي احداها جثامين أباءهم، مثلما حدث مع هذا الطفل من مدينة ترهونة، وهو في حالة نفسية سيئة، حيث فقد عدد 7 رجال، هم أباه وأعمامه، ولم يعرف مصيرهم.

أثر التلفاز على تدني مستوى التحصيل بين الأطفال:

من المعروف أن مشاهدة التلفاز تتطلب وقتاً، لما تحتويه برامجه من تنوع فرضته الحاجة التجارية كأفلام الرعب أو البرامج المختلفة التي تحمل توجه القناة السياسي أو الأيديولوجي، وما تنتجه هذه التوجهات من حروب اثبات الوجود، وما يصاحبها من مشاهد العنف المختلفة، أو قصص عاطفية أو إجرامية مثيرة. هذا التنوع يزيد من ساعات المكوث أمام شاشات التلفزيونات، الأمر الذي لن يقتصر أثره على سرقة الوقت؛ لا بل يتجاوزه إلى التأثر بهذه المشاهد، ولربما محاكاتها في واقع الحياة اليومية للطفل.

حيث أكدت بعض الدراسات البحثية المقامة حول (التلفزيون والطفل)، تأثر سلوك الأطفال بما يسمعونه من لغة، ويشاهدونه من صورة عبر شاشات التلفاز. ومن هذه البحوث، الدراسة البريطانية التي أجريت على عينة عددها 927 من الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين سن العاشرة والرابعة عشرة، هذه الدراسة شملت مواضيع مختلفة تتمحور حول العلاقة بين الطفل والتلفزيون، ومن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة: "أن الأطفال الذين لا يشاهدون التلفزيون يفوقون الأطفال المشاهدين في مستوى الأداء المدرسي؛ وأن الأطفال يشاهدون التلفزيون من 13 إلى 15 ساعة أسبوعياً؛ وأن أكثرية الأطفال يشاهدون التلفزيون في المساء مع ذويهم، وتبين الدراسة ضعف مراقبة الآباء وتوجيههم فيما يتعلق بمشاهدة أطفالهم لبرامج التلفزيون"[23]. ولربما لو أجريت مثل هذه الدراسة على الواقع العربي لكانت النتائج أسوأ، وذلك لأن المواطن العربي يعتمد على السماع والمشاهدة أكثر من القراءة.

بعض التوصيات المقترحة للتقليل من المؤثرات السلبية للإعلام:

لعل من أهم القرارات الناجحة التي يمكن أن تتخذها الأسرة، هي محاولة السيطرة على وقت أطفالها وضبطه وتوزيعه على نشاطات هادفة مختلفة مع المراقبة المستمرة، حتى تتأكد بأن أطفالها يقومون بالنشاطات دون اللجوء للعنف الذي من الممكن أنهم تأثروا بمشاهده في مراحل سابقة. حيث يقول الباحث تيسير بن سعد بن راشد أبو حيمد، في معرض سرده لعدة تدابير وقائية مباشرة للحد من خطورة التلفزيون: " وضع نظام وقتي للمشاهدة يطبقه الأولاد بإشراف الوالدين وبرقابة ذاتية منهم، ويهدف إلى تقليل تأثير التلفزيون على نشاطاتهم الأخرى، مثل الصلاة والقراءة والزيارات والواجبات الدراسية والنوم المبكر"[24].

وقد أوصت الباحثة ظبية الظاهري: "بضرورة عدم وضع جهاز التلفاز في غرفة الطفل، وعدم السماح له بمشاهدته أثناء تأديته لواجباته، مع أهمية إخراج الطفل في نهاية الأسبوع لممارسة الرياضة والترويح عن النفس، وأن يكون الآباء قدوة لأطفالهم من خلال عدم مشاهدة الكثير من البرامج"[25]. وجاء ضمن توصيات البحث أيضاً: "شاهد التلفاز مع طفلك وتحاور معه حول ما يشاهده، ولا تُفرط في جعل الطفل يشاهد الأفلام التعليمية فقط، وأترك له الفرصة للترفيه المراقب والمدروس، على ألا تُفرط في شراء أفلام الفيديو، مع ضرورة حجب أو تشفير القنوات غير الملائمة للأطفال".[26]

وأُضيف من جانبي أمثلة استجلبت بعضها من دراسة سابقة كانت جزءاً من بحثي في رسالة الدكتوراه. هذه الأمثلة التي يمكن البناء عليها في تحسين لغة الأطفال التي سوف يستحضرونها عند الحاجة لاستعمالها في المواقف المختلفة، فتكون بديلاً وقائياً عن استخدام العنف الذي قد يعوض الفراغ الناتج من افتقار المفردات اللغوية في ذاكرتهم.

برامج المحاكاة الإلكترونية ودورها في تحسين سلوك الأطفال:

تعد البرامج الالكترونية سواء المنتشرة عبر مواقع الانترنت، أو عبر برامج الكمبيوتر، أو المخزنة بالهواتف النقالة، من أهم الوسائل المساعدة في العملية التربوية والتعلمية، هذا إذا حَسُن اختيارها من حيث الهدف وملاءمتها لعمر الطفل. مع ملاحظة أن استخدام مثل هذه البرامج عبر الانترنت الذي يطرح كل يوم الجديد، يجب أن يخضع لمراقبة شديدة، لأن عالم الانترنت مفتوح على كل البرامج النافعة والضارة، والطفل غير قادر على اختيار الأجود منها دون مساعدة الكبار. وبرامج المحاكاة تطرح نشاطات مختلفة، ومنها برامج التدريب اللغوي التي تنتقي من الألفاظ أجودها وأكثرها تهذيباً، وقبولاً لدي المجتمع. وهذا يساعد على إضافة مفردات مرغوبة في ذاكرة الطفل. من هذه البرامج على سبيل المثال لا الحصر البرنامج التالي:

برنامج محاكاة إليكتروني، رسالة دكتوراه د. فرج دردور

مثل هذه البرامج مفيدة للأطفال، وخصوصاً أنها تساعدهم على الخروج من دائرة العنف، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار عدم الإفراط في استعمالها، لا بل يجب اخضاعها لجدول توزيع الوقت الذي تقوم به الأسرة كي تنظم أيام أطفالها.

القراءة غذاء للفكر ومهذبة للسلوك:

القراءة أساس تكوين الحضارات الإنسانية بمختلف ألوانها، والرابط الوثيق بين مختلف الثقافات، لذلك يلجأ القارئ للعيش في عالمه الخاص به بين كتبه. فلا تحصر القراءة على ما ينشر بمواقع التواصل الاجتماعي، لأن هذا الأسلوب يحرم القارئ من الفائدة التي لا يحس بمتعتها إلا عند قراءة الكتب الهادفة.

كيف تنمي ملكة القراءة عند طفلك وتزيد من محصوله اللغوي؟

يمكن للوالدين القيام بلفتات بسيطة، وذلك بأن يدخلوا عادات جديدة في حياتهم، ومنها تعزيز حب القراءة لدى الأطفال، حتى ولو كانوا هم أنفسهم يعانون من صعوبات في القراءة؛ ويكون هذا بتوفير بعض الكتب والمجلات والصحف، للمساعدة في خلق بيئة مناسبة تشجع على القراءة، ثم حث الأطفال على تخصيص زمن قصير يومي للاطلاع. والهدف هو تشجيع القراءة كنشاط شخصي أو عائلي.

حتى ولو كان الطفل صغيراً يمكنه أن يتعلق بالكتاب:

الطفل يحب النظر في الشكل وتسمية الصور وتقليب الصفحات من الورق المقوى، والتي تم تكييفها وفقاً لقدرات الأطفال الصغار. فمثل هذا التدريب يجعله يرتبط بالكتاب منذ الصغر.

صورة من مواقع (الويب) كيف تنمي ملكة القراءة عند الأطفال؟

الاهتمام بالقراءة في سن مبكرة من 0-5 سنوات.

إن رعاية الطفل تتمثل في (التغذية، والنظافة، والتعليم...)، ولكن ليس هذا فحسب، حيث يمكنك توفير فرصة رائعة لتحفيز طفلك بالتحدث معه مباشرة، كتسمية الأشياء من حوله، وأجزاء من جسده، والألوان المحيطة به، وكذلك الغناء له على وزن القوافي.

لماذا لا تتدرج بالهدوء في القراءة، وأخذ فترات راحة لاستئناف القراءة مرة أخرى؟ خاصة إذا كان الطفل يشعر بالقلق، الذي قد يؤثر على تركيزه، ومن هنا يمكن إعادة تنشيط الخلايا العصبية[27].

تحدث لطفلك حتى تزيد من محصوله اللغوي:

إن زيادة مخزون الطفل اللغوي سيجعله أكثر قدرة على التفكير السليم، والتعبير بطريقة أفضل، وقضاء الحاجات بشكل منظم، ويتعلم كل جديد بسرعة أكثر؛ أضف إلى ذلك يساعد على التحفيز والتقدم في القراءة التي توسع المدارك وتمني الذاكرة، وتجعل الطفل أكثر قدرة على الاستنباط والتحليل.

التركيز على تعلم القراءة الحرة في (المرحلة الابتدائية).

ويكون ذلك بتخصيص وقت مناسب وبيئة هادئة للطفل، ومساعدته على اختيار الكتاب الذي يمكن الاستفادة منه، مع تجنب توجيهه نحو قراءة الكتب التي تحتاج إلى تحليل واستنتاج، حتى لا يرهق عقله وبالتالي ينفر من القراءة.[28]

كما يؤمل من القنوات التلفزيونية التحلي بروح المسؤولية من خلال تدريب عناصرها على استخدام الخطاب الموزون الذي يراعي متطلبات المجمع من التربية التي تبدأ منذ الطفولة، وكذلك مساعدة الأطفال المتأثرين بمشاهد العنف، على الخروج إلى بيئة السلام المتنوعة في فوائدها.

وفي نهاية المطاف، فإن أي عمل يهدف إلى تعديل سلوك الأطفال يجب أن يأخذ في اعتباره خروجهم من بيئة العنف التي وضعوا فيها دون اختيارهم، إلى بيئة تتناسب مع براءتهم، وتزرع في نفوسهم الأمل في مستقبل زاهر. هذا الخروج من بيئة العنف تجسده الصورة التالية.

الصورة من مواقع (الويب)

الخاتمـــة:

البث الفضائي يلعب دوراً مهماً في تشكيل شخصية الأطفال من خلال البرامج التربوية الهادفة، وفي نفس الوقت يؤدي بشكل نسبي إلى انحراف سلوك الأطفال من خلال بعض البرامج التي تتعارض مع قواعد التربية وعلم النفس، وتزداد خطورة البث الفضائي عندما تحتوي نشراته الإخبارية على مشاهد عنف وقتل حقيقية. الأمر الذي يعرقل دور المؤسسات التربوية في توجيه سلوك الأطفال توجيهاً سليماً، أضف إلى ذلك، تزاحم البرامج المصنوعة من مصادر متنوعة وثقافات مختلفة، والتي لا تراعي خصوصيات كل مجتمع على حده. ومن هنا يمكن القول إن برامج القنوات الفضائية، تعد سلاحاً ذا حدين. فإذا استخدمت بشكل مدروس ومحكم بمناهج البحث العلمي، وذلك عن طريق البرامج التربوية والتوعوية الموجهة لإحداث تنشئة تهدف إلى تشكيل شخصية الطفل بصورة إيجابية. أما إذا تُركت القنوات الفضائية تبث برامجها دون الاهتمام بالجانب التربوي والتأثير النفسي لما تبثه على شاشاتها، وفشلت الأسرة في اختيار البرامج الملائمة لتعديل السلوك، فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر في تربية الأطفال، والذي سيظهر أثاراً سلبية في المجتمع بشكل عام في وقت لاحق.

وهكذا هي الحروب والصراعات، تبدأ بحرب لغوية تحريضية تدعمها الصورة، وتتحول إلى أفعال تمارس على أرض الواقع، وتنتهي بمصالحة لغوية، تتوقف ببنودها أعمال العنف. فبعد أن كانت اللغة أداة حرب، تصير أداة حوار ومصالحة، تؤدي في نهاية المطاف لوقف الحروب.

 

المصادر والمراجع:



[1]  ــ عبد العزيز جاهمي، العنف التلفزيوني وعلاقته بالسلوكيات العدوانية للطل، مجلة الدراسات الاجتماعية، مركز الدراسات الاجتماعية، طرابلس، 2014، ص 71.

[2]  ــ ــ تيسير بن سعد بن راشد أبو حيمد، وسائل الإعلام وأثرها على الأطفال، شبكة الألوكة، منشورات 2007.

 http://www.alukah.net/social/0/18784

[3]  ــ  تقرير رصد خطاب الكراهية في القنوات التلفزيونية الليبية، الصادر عن المركز الليبي لحرية الصحافة، 2017.

[4] ــ GSCHWIND-HOLTZER G., (2006), Analyse sociolinguistique de la communication et didactique, «Application à un cours de langue: De Vive Voix », Paris, Didier. p.12.

[5] ــ  Badreddine Hamma, La place de la pens´ee dans l’´etude de la langue, theses 2014.

[6]  ــ حامد كاظم عباس، جدلية اللغة والفكر، مجلة كلية الآداب، بغداد، العدد 97، ص 158.

[7]  ــ لسان العرب لابن منظور.

[8]  ــ : محمد علي إبراهيم، الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان الشرع، المكتبة الإلكترونية الشاملة، ص 57.

[9]  ــ ويكيبيديا الموسوعة الحرة،    https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%86%D9%81

[10]ــ  Martine TIMSITT-BERTHIER, definitions de la violence, chapitre 1

 

[11]  ــ Carol Bellamy, Les enfants sont les premières victimes de la guerre, L'Observateur, 2017.

[12]  ــ سورة لقمان: 17.

[13] ــ  TV5MONDE, Maghreb orient.

[14]  ــ يحي محمد نبهان، الأساليب التربوية الخاطئة وأثرها في تنشئة الطفل، دار اليازوري، الطبعة العربية 2008، الأردن. ص 30 ــ 38.

[15]  ــ وليد حسني زهرة، أني أكرهك... خطاب الكراهية والطائفية في إعلام الربيع العربي، مركز حرية وحماية الصحفيين، الطبعة الأولى، 2014.

[16] ــ LES ENFANTS DANS LA GUERRE, comité international de la Croix-Rouge.

[17]  ــ سعادة خليل، القنوات الفضائية وأثرها على الأطفال، مجلة ديوان العرب، 2004، ص 6.

http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=1210

 

[18]  ــ محي الدين عبد الحليم، إشكاليات العمل الإعلامي بين الثوابت والمعطيات العصرية، دار العلوم، الطبعة الأولى ،1998، ص 90.

[19]  ــ محمد شلوف، المشكلات السلوكية للأطفال، دار الكتاب الوطنية، بنغازي الطبعة الأولى 2015، ص 75.

[20]  ــ أنور الجندي، الصحافة والأقلام المسمومة، دار الاعتصام، الطبعة الأولى، القاهرة 1980، ص 11.

[21]  ــ النصوص المقتبسة في البحث من المصادر الفرنسية والمستعملة كشواهد، قام بترجمتها من الفرنسية إلى العربية، فرج دردور.

[22] - Catherine Kerbrat Orecchioni, Enonciation de la subjectivité dans le langue, Armand Colin, Paris, 1980, p: 185.

[23]  ــ تيسير بن سعد بن راشد أبو حيمد، وسائل الإعلام وأثرها على الأطفال، منشورات شبكة الألوكة، 2007.

[24]  ــ المرجع السابق.

[25]  ـ علي بدور، الفضائيات تهدد براءة أطفال قطر، دراسة ظبية الظاهري: البث الفضائي سلاح ذو حدين والأطفال أكثر تأثراً، مجلة الراية 2         

[26]  ـ المرجع السابق.

[27] ــ Pedayoga, un programme simple des techniques qui visent à promouvoir le mouvement et la concentration. https://www.pedayoga.ca/

[28] ــ Pedayoga, un programme simple des techniques qui visent à promouvoir le mouvement et la concentration. https://www.pedayoga.ca/