vendredi 12 janvier 2018

ساسة المشهد الليبي عقليات وخلفيات......بقلم/ د. فرج دردور

ساسة المشهد الليبي عقليات وخلفيات.....!!

بقلم/ د. فرج دردور

قد نتفق مع بعض الأصوات التي تقول بأن بناء الدولة يحتاج إلى ليبيين وطنيين، ولكننا نختلف تماماً مع من يحدد معيار اختيارهم على أساس انتمائهم الايديولوجي أو القبلي، فكل هذه التصنيفات إذا لم تقترن بالعلم والثقافة والخبرة الفنية، فلا قيمة لها على مستوى البناء والتنمية، وأي حكومة تعتمد المحاصصة الجغرافية والجهوية في تشكيلتها، لن تكون مخرجاتها إلا سبباً في امتداد الأزمات التي سبقتها، وتظل الدولة هي الضحية، وستشتد معاناة الشعب.

الحقيقة المرة هي أن حالة التصحر الثقافي والجهل السياسي، والافتقار المعرفي الذي يظهر في سلوك أغلب (النخب) الليبية البارزة؛ والذي مازال بعضهم مكبلاً بإرث ثقافي تعود عليه طيلة السنوات الماضية، من ذلك: الجهل بمبدأ تداول السلطة وعدم الاستماع للرأي الأخر، ورفض النقد البناء، وخلو الذهن من ثقافة الحوار، وسرعة الانفعال والرد بعنف، والتسرع في إطلاق الأحكام، والتفرد بإصدار القرارات الجريئة غير المدروسة، والحديث عن إنشاء دولة ديمقراطية واعدة، وأفعال تنم عن ديكتاتورية مطلقة. فهذه الصفات المجتمعة في أغلبهم تجعل من الصعب أن يُوكل إليهم اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية يعول عليها في تأسيس مستقبل ليبيا.

ومن هذه المعطيات يصبح من الصعب جداً اختيار حكومة تحظى برضى الجميع، ولا تكون فيها عناصر فاسدة تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية، هذا السلوك المشين الذي تم تلميعه في مجتمعنا الليبي عندما استبدل بمصطلح (تشغيل ادماغ)، حتى صار الناس لا يكترثون بمن حولهم وهم يثرون ثراءً فاحشاً، رغم أنهم يعرفون بأنهم جمعوا أموالهم بطريقة غير مشروعة عن طريق وظائفهم.

وقد نبهنا منذ سنوات في لقاء تلفزيوني سابق، إلى ضرورة طلب التعاون الدولي في عملية بناء الأحزاب والعملية السياسية بشكل عام، وكنا قد استنتجنا رأينا من خلال متابعتنا للجدل السياسي الذي كان يتمحور حول اتهام البعض للأخر بالعجز والتمسك بالشرعية وإلقاء المسؤولية على الآخرين، وغيرها من ألفاظ التنابز بالألقاب التي تنم ـ مع احترامي لكم ـ على تخلف مقذع لمطلقها، وكلها تهدف الإسقاط الخصوم دون تقديم البديل الجيد؛ هذه العقلية القديمة الجديدة في مستوى التفكير، قد تؤسس إلى نظام ديكتاتوري تسلطي، بدأت بوادره تطف على السطح عندما تمسك الجميع بالسلطة رغم انقضاء مدته، وقد فضلوا الحرب والدمار على تسليم السلطة. وكل ما هو مطروح حتى الآن من نخب سياسية، ينطلقون من خلفيات ايديولوجية أو قبلية، ولا توجد أحزاب حقيقية تعرض برامج تنموية تتنافس بها مع غيرها، تهدف إلى خدمة البلاد، وهو ما يجعل الكفاءة والخبرة في مهب الريح.

ولنضع الأمور في نصابها؛ فليبيا وبعد هذا الدمار الهائل، محتاجة لكل فرد يحمل خبرة لأجل إعادة البناء. وبدل أن نتغنى بالسيادة على ركام الدمار دون النظر إلى آلام الناس، علينا طلب تعاوناً دولياً يساعدنا على جلب الخبرات من غير الليبيين ليسهموا في بناء دولتنا، ناهيك عن الليبيين أنفسهم الذين هاجروا، وهم من الكفاءات الليبية في الخارج، والذين يقدر عددهم بالآلاف في مختلف المجالات والتخصصات؛ بشرط ألا يكونوا من ضمنهم الذين قفزوا في مركب فبراير، ودخلوا سريعاً للبلاد لأجل السلطة ونهب المال العام وهم قلة.

لقد صوت البرلمان الفرنسي على قانون الهجرة المنتقاة الذي طرحه ساركوزي، وهو يمنح الجنسية الفرنسية للكفاءات من مختلف أنحاء العالم، ليسهموا في تقدم فرنسا المتقدمة أصلاً. والأمثلة في العالم كثيرة، ولعل آخرها وزيرة التربية والتعليم في السويد، وهي فتاة لاجئة بوسنية مسلمة، هاجرت من بلدها، فالتمست طريق النجاح في بلد هجرتها.

لك الله يا ليبيا...