jeudi 2 juillet 2015

الإسلام دين الفطرة وإعمال الفكر بقلم/ د. فرج دردور


   الموروث العلمي عند المسلمين بدأ بدوافع دينية، وتطور وتشعبت مجالاته تحت هذا الغطاء، ولهذا رأينا أن الحضارة الإسلامية قد ازدهرت منذ القرن السابع الميلادي تزامناً مع انتشار الإسلام، وكان المسلمون أكثر انفتاحاً على الشعوب الأخرى، وأكبر دليلاً على ذلك هو نشاط حركة الترجمة في ذلك الوقت، من الإنتاج العلمي للشعوب المجاورة، فاتسعت مجالات الفكر، حتى صار الإسلام دين العلم بامتياز. وقد تكررت ألفاظ كثيرة في القرآن الكريم تدل على إعمال الفكر، من ذلك مثلاً: (يتفكرون، يتذكرون، يتدبرون)، وكلها مركزها العقل. قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24)، محمد.
   ثم بدأ عصر الانحطاط الفكري، بعد أن توقف البحث، واقتصر الباحثون على الاستشهاد بالموروث السلفي والنقل منه والاعتماد عليه، مما تسبب في قتل حركة الابداع إلي يومنا هذا، وتعطل التجديد والتطوير إلا ما ندر. فتقدم الغرب وتأخر العرب، بعد أن ضمرت عقول باحثيهم، نتيجة اعتقاد أغلبهم بأن ما أبدعه أسلافهم، يعد كافياً وافياً لا ينبغي الخروج عنه، ولا يجوز الاستشهاد بغيره، فتكلس العقل وانتشر الجهل من جديد وتراجعت المجتمعات الإسلامية. حدث هذا في الوقت الذي ظهرت فيه شعوباً أخرى أكثر تقدماً، كانت أقل إنتاجاً، مقارنة بالمورث العربي الإسلامي، لأنها نَشطت الحركة الفكرية، فجنت ثمار زرعها....
   أدى هذا التراجع الفكري عند المسلمين إلى انحسار ظاهرة التنافس البحثي في اعجاز القرآن الكريم، وتفسيره وفق ما يحتمله من تأويلات، ففسح المجال لأصحاب الايديولوجيات المقترنة بالسياسة والخوارج أيضاً، بأن يفسروا الدين وفق قناعاتهم التي قد تفتقر للسند العلمي، وأقتصر فهمهم على ظاهر النصوص، فاخطأوا فهمها، وأنزلوا أحكامها على غير سياقاتها.
   هذا القصور الفكري، جعلهم يركزون على الماديات الملموسة وأهملوا الفكر، وكان أحد مظاهر هذا القصور، الاهتمام بجسد الإنسان وإهمال فكره، (شهواته وممنوعاته)، من ذلك نوع ملبسه مأكله، القصاص منه، عقابه، وتحول فصل الجنسين في المضاجع إلى المطالبة بالفصل في كل شيء، وبدل أن يغض (الشيخ) من بصره خشية الفتنة، صار يطالب بإخفاء المرأة من أي مشهد تكون ماثلة فيه أمامه. فبينما تطوف المرأة عارية الوجه جنب الرجل حول الكعبة أطهر مكان على وجه الأرض، نجد أن بعض الشيوخ يطالبون بفصل الإناث عن الذكور في الجامعات. لا بل يدعون المعلمات لارتداء الخمار داخل الفصول الدراسية، على غير علم بأساليب التربية والتعليم التي تتطلب تواصل المعلمة مع التلاميذ بالوسائل المختلفة ومنها الحركات والإماءات، وحركة الشفتين الضرورية لتعليم نطق القرآن الكريم وغيره من الدروس، أضف إلى ذلك التعبير عن الفرح وعدم الرضاء في المواقف المختلفة التي تحددها علاقة المعلمة بتلاميذها داخل الفصل الدراسي .
   ولو أن هؤلاء (المشايخ) أعملوا الفكر بدل الاهتمام بالجسد، لوجدوا حلولاً مناسبة لما يخشون فتنته، لأن العلم الذي منبعه الفكر له أساليبه التربوية المستوحاة من تعاليم الإسلام، والتي تعالج مختلف الظواهر الشاذة بطرق الثواب بدل العقاب. فما يتحقق بالثواب يفوق بكثير ما نحققه بطرق العقاب، مع فارق القناعة. وتأكيداً لهذه المعاني السامية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).......  
فعندما يخطئ الإنسان يمكن أن ينبه وينصح بتلطف، لا بتعنيف وتعسف وباحترام ذاته والصبر عليه والشفقة والرفق به. حيث يقصد الناصح بذلك إصلاح شأنه. قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فلقد جمعت الآية الكريمة بين العقاب والمغفرة والرحمة.
   أما ما يحدث اليوم فهو جزء من حصاد عصر الانحطاط الفكري والانحراف السلوكي الذي تراكمت مقوماته عبر عصور امتدت منذ انهيار الدولة العباسية إلى يومنا هذا، والذي يعبر عنه بعض العلماء بنهاية عصر الاستشهاد العلمي. هذا الرأي يعكس الحالة العلمية التي اختزلت الفكر في عقول أهل السلف، وأعقبه تصحر ثقافي عبر عنه سلوك العنف، الذي هو نتيجة طبيعية للانهيار العلمي والمعرفي الذي تمر به الأمة، حتى صار التكفير يعني التمرد على كل ما هو من انتاج فكر الإنسان، وما يحدث اليوم هو خير مثال لهذا الوصف.
   فلم يكن أحداً يتوقع أن ليبيا تتحول من بلد يسوده الأمن والسلام نتيجة سياسة الاعتدال المنهجي الذي عليه أغلب الليبيين، حتى أن تفاجأ الجميع بظهور جماعات لم نعلم مصادر اجتهادها التي استندت عليها في الغلو الذي كفر الدولة شعباً ومؤسساتاً، وصار الانحراف في المسلك هو العنوان العريض الذي يسوس به الناس. فتحولت الحياة بمختلف مظاهرها إلى جحيم لا يطاق، يدفع بالناس إلى التفكير في الهجرة هرباً من واقع غير مألوف، اختلط فيه الحابل بالنابل، تساق فيه الأمور في غير مساراتها، وتسمى فيه الأشياء بعيداً عن صفاتها.

حفظ الله ليبيا من كل مكروه

خذوا السلطة والمال وأعطوني الأمن وراحة البال.......... بقلم/ د. فرج دردور

لم نعد نحتفي بفصل الربيع، لأن مساحاته صارت محاور قتال ۩۩۩ افتقدنا غلة الصيف، لأن فلاحيها مهجرين ۩۩۩ لا ننام في ظل الخريف الميت، مخافة رصاصة طائشة ۩۩۩ لا نفرح بساعة نزول مطر الشتاء، لأننا داخل بيوتنا ۩۩۩ سيارتنا الفارهة استبدلناها بخردة، كي ننجوا بأجسادنا ۩۩۩ كتاباتنا صارت بقلم الرصاص، حتى نمحي بسرعة مالا يعجب الآخرين ۩۩۩ ألقابنا صارت مستعارة، مخافة سؤال المقنعين في بوابات الرعب الجهوية ۩۩۩ أطفالنا صاروا يفرقون بين أصوات القذائف، لأنهم خبروها ۩۩۩ أولادنا يمتشقون السلاح بغير مناسبة، لأن حمله صار رديف الرجولة ۩۩۩ أموالنا ندخرها لفدية، قد يفرضها اختطافنا ۩۩۩ السياسة المسلحة، هي منهج ديمقراطيتنا ۩۩۩ الولاء للخارج، هو سيمتنا ۩۩۩ فقدان الأمل في المستقبل بدل الخوف منه، طغى على تفكيرنا ۩۩۩ تلفزيوناتنا تعرض وجوهاً، لم نكن نألفها ۩۩۩ تمنحهم كل الألقاب، العلمية، والفنية، والتحليلية، والتفكيرية، والإبداعية، رغم لغتهم الخشبية ۩۩۩ الإقصاء منهجهم، والتحريض على القتل تعبئتهم ۩۩۩ ونعت الناس بالباطل، ديدنهم ۩۩۩ وتلميع المعتم المطفي، مهنتهم ۩۩۩ وجر الناس كالقطعان خلف قناعاتهم، دائماً هدفهم ۩۩۩.
بلادي اختفى فيها مصطلح المجرم، لأنه اختلط بالثائر ۩۩۩ لم يعد للمشعود وجود، لأنه صار قائداً ميدانياً ۩۩۩ فدينارات العجائز، لم تعد تلبي متطلبات مهنته ۩۩۩ حتى السجون صارت خاصة، تسمى بأسماء ملاكها ۩۩۩ يسترزقون من كثرة نزلائها ۩۩۩ يخدمونهم بأبشع أنواع التعذيب، لإرضاء زبائنهم ۩۩۩ التعليقة من اليدين مع ربط ثقلين في الرجلين والضرب بماسورة، فن من فنونهم ۩۩۩ الحاقد ما عليه إلا الدفع حتى يستلم إذن زيارة مفتوح، لتعذيب ضحيته وقتما يشاء ۩۩۩ سجين الأمس خرج بشحمه ولحمه منتقماً ۩۩۩ فصار مدير لسجن يخرج ضحاياه إلى القبور ۩۩۩ بل يدعم اذرع تفجيرية وقاطعي رؤوس ۩۩۩ قدرنا العيش تحت وطأة الثورة والثوريجية والثوريون والثوار ۩۩۩ ثورة سبتمبر ۩ ثورة فبراير ۩ الثورة المضادة ۩۩۩ الثورة صارت عقيدة والحفاظ عليها، يعني سفك الدماء ۩۩۩ غرف أمنية وتنسيقيات ولجان عليا، والشعب حيران ۩۩۩ هل نحن فعلاً شعب ثائر، أم مجيد للمصطلحات ۩۩۩ بلادي كل شيء صار يخضع للامنطق تداخلت الفصول الأربعة، لدرجة أننا اهملنا حسابها.

                *بِلاَدِي وإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ ۩۩۩۩۩ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ*
                                                        فرج دردور