vendredi 26 juillet 2013

الجامعات الليبية إلى أين.....؟ بقلم/ د. فرج دردور

الجامعات الليبية إلى أين.....؟
بقلم/ د. فرج دردور

       مدخل

    كَثُر الحديث في الوطن العربي عن التعليم الإلكتروني وتعددت المؤتمرات العلمية المهتمة بهذا الشأن، وهو ما يبدو كإشارات لذوي الاختصاص حتى يقوموا بدورهم من أجل التوجه نحو تعليماً يأخذ في اعتباره أفاق المستقبل، ولا يكون ذلك ممكناً إلا باستخدام التكنولوجيا الحديثة في كل مؤسساتنا التعليمية والخدمية، وبالأخص الجامعات منها.
    وعلى الرغم من أنني كنت قد دَعوت في مقالات سابقة، إلى ضرورة تطوير أجهزة الدولة الخدمية، وقد ضمنت هذه المقالات ببعضٍ من الاقتراحات التقنية التي استجلبتها من تجربتي العلمية في زمن الدراسة بدولة فرنسا. إلا أن كثرة تناول هذا الموضوع بين المهتمين بالعملية التعليمية، جذبني لأن أعود لأُدلي بدلوٍ أخر ولو بطريقة مختلفة، وذلك لدمجي بين التذكير والنقد وهما لأجل التنبيه، دون قصد الإساءة لأحد.

      التعليم الإلكتروني وأفاق المستقبل

   إن ما تسعى إليه دول العالم اليوم بمختلف مستوياتها، هو توظيف التطور التكنولوجي الهائل ومنه الإلكتروني في مجالات التعليم المختلفة.
    ففي الوقت الذي قطعت فيه الدول المتقدمة شوطاً هاماً على هذا الصعيد، نجد أن دول أخرى تحاول اللحاق بها، مستفيدة من التقنية نفسها لجلب الخبرات. حيث أصبحت جامعاتها ــ كمرحلة أولي ــ على اتصال بمصادر هذا العلم وتطوره عبر منظومات الكترونية متقدمة تسهم في سرعة انتقال وتبادل المعلومات مع الطرف المقابل. كما أن بعض الدول العربية كالأردن والبحرين، دَربتْ كوادرها على استخدام وسائل التقنية الجديدة لاستعمالها في التعليم.
    أما نحن وبجولة في جامعاتنا نجد بأنها لا تزال غير مستعدة لاستخدام هذا النهج من التعليم، لا بل تفتقر لأبسط الوسائل التقنية. وأقول هذا الكلام وأحس بمرارة، لأنني لمسته واقعاً أثناء تقديم محاضراتي، عندما كنت ولا زلت استخدم حاسوبي الشخصي متنقلاً بين الطلاب لعرض بعض الشرائح التعليمية، والتي كان يجب أن تُعرض عبر أحد أجهزة العرض المعروفة، هذه الأدوات لا يوجد حتى العتيق منها، على الأقل في جامعتي الضاربة في القدم. وعلى الرغم من أن الدولة تحاول توفير القليل من هذه الأدوات إلا أن كثيراً منها يذهب للمكان الخطأ، كعهد شخصية لأشخاص يستعملونها في قضاء حوائجهم الخاصة ولا تستفيد الجامعة بشيء.

        الجامعات تتحدث عن نفسها

   إن وضع جامعاتنا المؤقت في قائمة الجامعات التي صُنفت في وقت سابق بأنها خارج قائمة (500) جامعة الأولي، لا يعني بالضرورة أن الجامعات ــ سيئة الحظ ــ هي في الحال سواء. حيث لا أحداً يتصور اليوم، أن هذه الجامعات تسير بوثيرة واحدة، وهو ما يعني إمكانية ظهور تصنيفات أدنى، تضع كل جامعة في نصابها الطبيعي من بين جامعات العالم، فتجعلها أكثر حرجاً.
    وإذا كانت جامعة قطر مثلاً ، قد فهمت الرسالة من هذا التصنيف، فقامت بإصلاحات مهمة في كوادرها، وعرضت حوافز كبيرة لكل من يفوز في المسابقة العالمية التي أعدتها، لاستجلاب الكفاءات العلمية، من مختلف أنحاء العالم، لأجل التدريس بها. ولربما سوف نجدها في سنوات قريبة قادمة ــ وبكل جدارة ــ قد بلغت مكاناً مرموقاً في التقدم، تاركة خلفها جامعات أُهملت من أهلها، فهل مسؤولي جامعاتنا فهموا حقيقة هذه التصنيفات، كما فهموها مسؤولي جامعة قطر، من حيث أثرها على الأجيال الحاضرة والقادمة؟
   أنا اشك في ذلك لأنه وبكل بساطة، لا يمكن فصل الجامعات عن محيطها. فلا نعتقد أن القائمين عليها يأتون كل صباح من خارجها، ليتغيروا بمجرد دخولهم أسوارها، وهم يعيشون في مجتمع أصبح يعج بكل مظاهر الفــساد، وتظل الاستثناءات فيه نسبية. وخصوصاً، أن الثقافة السائدة اليوم، هي ثقافة المنفعة الشخصية، والطابع المادي هو الغالب على كل شيء. والتكليفات بالوظائف لا زالت تتم على أساس الولاء وليس الكفاءة، وهو ما يعطي أصحابها حصانة إلى حين انتهاء مهمة من يُدينون لهم بالولاء، وذلك ما يمنحهم (ميزة) الإفلات من أي مُسألة عن أخطاء ارتكبوها.
   إذن ما يُصيب الجامعات اليوم هو جزء من حصيلة، ما أصاب أجهزة الدولة بشكل عام، حيث يتقدم للتعيين بها، المتحصل على مؤهل الدكتوراه، والماجستير في نفس التخصص، وقد يكون حامل الدكتوراه من جامعة أفضل ــ مع احترامي الشديد للجميع ــ ومع ذلك يُقدم حامل الماجستير على الدكتوراه إذا كان لديه (.......)، ويمكنكم من هذا وذاك، استنتاج مستقبل الطالب الذي أصبح ضحية كل هذه المعادلات الظالمة.
    ومما يؤسف عليه، أن جامعاتنا تستهلك في أكوام من الورق لإنجاز معاملات يومية، كان من الممكن أن تتم اليكترونياً، ويستغرق تبادل هذه المعاملات بين الأقسام والكليات أيام، وينال البعض منها الضياع. يتم كل ذلك في وقتٍ أصبحت فيه جامعات العالم ومنها عربية، قد تطورت إلى درجة أن أغلب معاملاتها تتم عبر منظومات معدة لهذا الغرض، فسهلت التواصل في داخلها ومع نظائرها.
   ومما يعتصر أليه القلب أيضا، أنني قرأت يوماً نداءً عبر أحد الصحف الالكترونية، يطالب المسؤولين بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من الأرشيف العلمي لأحد الجامعات من الهلاك، نتيجة سوء التخزين. وعن أدراج مكتبات الجامعات الخاوية، فحدث ولا حرج.
   أما عن تجربتي الشخصية، فقد احتجت يوماً إلى وثيقة نجاح من الجامعة التي أنهيت بها دراستي الجامعية، فذهبت للأرشيف، والمفاجأة كانت، عندما وجدت أمامي أشخاص يبحثون عن أصول شهاداتهم من بين الملفات المبعثرة في كل مكان، وبعضهم استخدم جزء من هذه الملفات كـ(تبة) للصعود إلى ملفات أعلى. وحمدت الله أنني وجدت أصلاً (مهترياً) لشهادتي بعد أن دلني عليه اسم أحد الذين جمعتني بهم مقاعد الدراسة، وتطلب الأمر يومين من العناء. (لعل بعضكم الآن، أصبح يفكر في مصير شهادته، ومن له حظ ، لربما يجد منها قصيصة تدل على أنه مر من هنا يوماً).
   والغريب في الأمر، أننا نجد تنافس شديد بين موظفي الدولة على التجهيز الفاخر لمكاتبهم، وما يترتب عليه من مصاريف هائلة من ميزانية الدولة، ولا يقترن ذلك بمستوى الأداء، ناهيك عن اقتناء حواسيب عالية الجودة مثل، (السوني الدل، والاش بي، وغيرها) والتي أقراصها الصلبة، يسع الواحد منها، لأرشيف دولة، ولا يستخدمونها في تكريس الإدارة الالكترونية. والكل يتهم الآخر ولا يبدأ بنفسه.
    لعل من أكمل مقالي حتى النهاية، يجد فيه تنوعاً في النقد، والسبب هو أن قضايا التعليم مشتبكة، والمشاكل التي تعوق حركة التطور مركبة ومعقدة، وعلاجها لا يكون إلا في إطار إصلاح حقيقي، يشمل اسلوب عمل كل الأجهزة التنفيذية في الدولة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire