lundi 26 février 2018

اللغة بين ضياع المفهوم وغلو التقعيد، والتربية هي الضحية........بقلم/ د. فرج دردور


اللغة بين ضياع المفهوم وغلو التقعيد، والتربية هي الضحية،،،،،،،،،،،،
بقلم/ د. فرج دردور

يستحيل أن يقع اعتداء جسدي دون أن تسبقه لغة سيئة

هناك اعتقاد خاطئ يدور في ذهن كثير من الناس، وهو أن اللغة تعني النحو والصرف والبلاغة، والإملاء..إلخ. وهذه نظرة قديمة تجاوزها الزمن، رغم أن كثيراً من علماء العربية لا زالوا يعتقدون في وحدانيتها. هذا التفكير الخاطئ يقصر اللغة على أدوات إصلاحها وهي النحو والصرف..... إلخ، ويجردها من وظيفتها الأساسية وهي التواصل وقضاء الحاجات، وأداة للتربية.....إلخ.

إلا أن النظرة الحديثة للغة تضعها في مجالها الطبيعي وهو الاستعمال وأثرها في التربية، فنحن نربي الطفل بكلمات، بناء عليها يتحدد سلوكه بعد ذلك، فما قدمناه له من مفردات وخزنه في ذاكرته الدائمة، هو ما سيرجعه لنا عندما يتعرض لمواقف مختلفة، وبناء على هذه المفردات سيتصرف. فإذا صار أحدهم يعمل كإعلامي في قناة فضائية، ولم يتم تعديل سلوكه مهنياً بطريقة صحيحة، فسوف يكون سلوكه وبالاً على المجتمع بأكمله، عندما يتحد أثره مع أثر آخرين من نظائره يعملون في قنوات مختلفة.

وباختصار فإننا نفكر باللغة، حيث لا نستعمل الصوت (الكلام) إلا إذا أردنا مخاطبة غيرنا، أما عندما نسير في الطريق ونحن لوحدنا في السيارة مثلاً، فإننا نفكر باللغة دون النطق بها. فمن ذلك مثلاً: إذا كنت تقصد مكان لشخص وصلتك معلومة بأنه أساء إليك، فإن مخزون اللغة هو من سيحدد ردة فعلك نحوه، فإن كان محصول لغتك عنيفة فتفكيرك وأنت تقود السيارة سوف يكون منصباً حول كيفية الاعتداء عليه والتخطيط للإيقاع به ولربما ضربه. وإذا كان محصول لغتك متوازناً معدلاً بالثقافة، فسوف يكون تفكيرك يصب في اتجاه اللوم والعتاب.

وهنا تلعب اللغة السابقة دوراً مهماً في تحديد مستوى تفكير الإنسان؛ فإذا كانت اللغة نقية ناتجة من تربية مضبوطة بقواعد الخبرة الإيجابية، سوف يكون متسامحاً. وإذا ما كانت اللغة مشوهة ناتجة من تربية منفلتة لا تراعي قواعد العلم والتربية، سوف يكون عنيفاً عدوانياً.

وهكذا هي الحروب والصراعات، كلها تبدأ بحرب لغوية تحريضية، وتنتهي إلى الحوار لغوي، فبعد أن كانت اللغة أداة حرب، تصبح أداة مصالحة. وإذا صادفت اثنين يعتدون على بعضهما بالضرب، وسألتهما ما بكما؟ سيرد عليك احدهما بعبارة: ((كلمة مني كلمة منه، جينا لبعضنا)). ولهذا يستحيل أن يقع اعتداء جسدي دون أن تسبقه لغة سيئة.

ونحن نسعى من خلال كلية الإعلام للعمل على إصلاح هذا المفهوم، والتركيز على وظيفة اللغة، وتنقية مفرداتها وتحسين وسائل استعمالها، حتى تكون الرسالة هادفة، ويتحول الإعلام الهدام إلى عامل بناء في التربية. وهذا سيحصل عندما يعي الإعلامي خطورة دوره. حيث يمكن أن يكون سبباً في مشاجرة بين الأخ وأخيه تحت سقف البيت الواحد، نتيجة الاختلاف على ما ورد في خطابه المعيب مفرداته.....وهذا الموضوع يطول الحديث فيهّ!.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire