dimanche 13 juillet 2014

الإسلام دين الفطرة وإعمال الفكر بقلم/ د. فرج دردور

الإسلام دين الفطرة وإعمال الفكر
بقلم/ د. فرج دردور
    الموروث العلمي عند المسلمين بدأ بدوافع دينية، وتطور وتشعبت مجالاته تحت هذا الغطاء، ولهذا رأينا أن الحضارة الإسلامية قد ازدهرت منذ القرن السابع الميلادي تزامناً مع انتشار الإسلام، وكان المسلمون أكثر انفتاحاً على الشعوب الأخرى، وأكبر دليلاً على ذلك هو نشاط حركة الترجمة في ذلك الوقت، من الإنتاج العلمي للشعوب المجاورة، فاتسعت مجالات الفكر، حتى صار الإسلام دين العلم بامتياز. وقد تكررت ألفاظ كثيرة في القرآن الكريم تدل على إعمال الفكر، من ذلك مثلاً: (يتفكرون، يتذكرون، يتدبرون)، وكلها مركزها العقل. قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24)، محمد.
    ثم بدأ عصر الانحطاط، بعد أن توقف البحث، واقتصر الباحثون على الاستشهاد بالموروث السلفي والنقل منه، مما تسبب في قتل حركة الابداع إلي يومنا هذا. فتقدم الغرب وتأخر العرب، بعد أن ضمرت عقول باحثيهم نتيجة اعتقاد أغلبهم بأن ما أبدعه أسلافهم، يعد كافياً وافياً لا ينبغي الخروج عنه، ولا يجوز الاستشهاد بغيره. فتكلس العقل وانتشر الجهل من جديد وتراجعت المجتمعات الإسلامية، في الوقت الذي ظهرت فيه شعوباً أخرى أكثر تقدماً، لأنها نشطت الحركة الفكرية، فجنت ثمار زرعها....
   أدى هذا التراجع الفكري إلى انحسار ظاهرة التنافس البحثي في اعجاز القرآن الكريم، وتفسيره وفق ما يحتمله من تأويلات. ففسح المجال لأصحاب الايديولوجيات المقترنة بالسياسة والخوارج أيضاً، بأن يفسروا الدين وفق قناعاتهم التي تفتقر للسند العلمي، وأقتصر فهمهم على ظاهر النصوص، فاخلطوا فهمها، وأنزلوا أحكامها على غير سياقاتها.
   هذا الانحطاط الفكري، جعلهم يركزون على الماديات الملموسة، وأهملوا الفكر، وكان أحد مظاهر هذا الانحطاط  هو الاهتمام بجسد الإنسان وإهمال فكره، (شهواته وممنوعاته)، من ذلك نوع ملبسه مأكله، القصاص منه، عقابه، وتحول فصل الجنسين في المضاجع إلى المطالبة بالفصل في كل شيء، وبدل أن يغض الشيخ من بصره خشية الفتنة، صار يطالب بإخفاء المرأة من أي مشهد تكون ماثلة فيه أمامه...
    ولو أنهم أعملوا الفكر بدل الاهتمام بالجسد، لوجدوا حلولاً مناسبة لما يخشون فتنته، لأن العلم الذي يمثل الفكر، له أساليبه التربوية المستوحاة من تعاليم الإسلام، والتي تعالج مختلف الظواهر الشاذة بطرق الثواب بدل العقاب. فما يتحقق بالثواب يفوق بكثير ما نحققه بطرق العقاب، مع فارق القناعة............
   فعندما يخطئ الإنسان يمكن أن ينبه وينصح بتلطف، لا بتعنيف وتعسف وباحترام ذاته والصبر عليه والشفقة والرفق به. حيث يقصد الناصح بذلك إصلاح شأنه. قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فلقد جمعت الآية الكريمة بين العقاب والمغفرة والرحمة. وتأكيداً لهذه المعاني السامية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).......
   أما ما يحدث اليوم فهو جزء من حصاد عصر الانحطاط الذي تراكمت مقوماته عبر عصور امتدت منذ انهيار الدولة العباسية إلى يومنا هذا، والذي يعبر عنه بعض العلماء بنهاية عصر الاستشهاد العلمي. هذا الرأي يعكس الحالة العلمية التي اختزلت الفكر في عقول أهل السلف، وأعقبه تصحر ثقافي عبر عنه سلوك العنف، الذي هو نتيجة طبيعية للانهيار العلمي والمعرفي الذي تمر به الأمة، وما يحدث اليوم هو خير مثال لهذا الوصف.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire