lundi 18 février 2013

التقنية وصراع اللغات ، بقلم/ د. فرج دردور

التقنية وصراع اللغات 

كتبها د. فرج دردور ، في 26 يناير 2011 الساعة: 12:03 م

بقلم/ د. فرج دردور
       لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية اللغة والتربية والتعليم في تطوير بلدانهم وتقدم شعوبهم، فقامت بتنفيذ مشاريع كبرى في مجال التكنولوجيا للاستثمار في هذا الثالوث. من خلال المبدأ المطبق "التدريب من أجل الحياة" هذا المبدأ حددته اللجنة الدولية المعنية بالتربية في القرن الحادي والعشرين. فهو يتناول علاقة الإنسان مع نفسه ومحيطه، وذلك على النحو التالي: "الإنسان يتكون، كيف يتم تكوينه، كيف هو، كيف يعيش مع الآخرين، كيف سيتم ذلك." مثل هذا المشروع يتطلب ربط المؤسسات التعليمية، وخاصةً الجامعات، بالنشاط الخدمي والاقتصادي للمجتمع، بحيث تتكاثف كل الموارد في برنامج ينفذ بأدوات تِقنية عصرية تختصر الجهد والوقت من خلال تنظيم العمل، والتدريب المستمر للقائمين عليه. هذا البرنامج يهدف إلى تحديد حاجات المجتمع والعمل فيها.
إن نوعية التعليم الجيد هو الذي تحتوي برامجه على أدوات التقنية الجديدة. هذه الأدوات يجب أن تكون جزء لا يتجزأ من التدريس، لأنها تشكل عاملاً حاسماً في سرعة انتقال وتبادل المعلومات. وهو ما ينقلنا إلى خلق أنماط جديدة في استخدام اللغة. الأمر الذي يتطلب تطوير بعض الأنشطة اللغوية التي تواكب لغة التكنولوجيا. وظهور مفاهيم جديدة في هذا المجال هو نتيجة التطور التقني الذي أسهم في توليد الآلاف من الكلمات. ومن هنا تبرز قدرة اللغات الحية على اختراق التقنية لتصبح أداتها، واضعةٌ خلفها لغات أهملها أهلها.
        حيث تفيد أحدث الدراسات، أن اللغات الباقية هي المستخدمة في التكنولوجيا، وأن نحو 100 لغة من لغات العالم ــ ليس من بينها العربية ــ سوف يكون مصيرها الزوال خلال المائة سنة القادمة. وهو ما عبر عنه البروفسور فليب ريلي 2005 بناقوس الخطر في قوله: " سوف ينخفض عدد اللغات الحية في العالم وعلى الشعوب أن تختار لغتها أو لغة غيرها". فهل القائمون على قطاعات التعليم في الوطن العربي أعدوا العدة لذلك؟
أما فيما يتردد من قبل البعض، بأنه لا خوف على لغة القرآن الكريم، من قول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) يوسف{2}، وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر{9}. فلا شك بأن الله تعالى تعهد بحفظ كتابه في صدور ملايين المسلمين، بعيداً عن التبديل والتغيير، وعلى مر العصور، ولم يثبتْ ـ وفق اجتهاد بعض العلماء ـ أن الله تعالى قد تعهد بحفظ اللغة العربية، والدليل على ذلك أن اللغة التي نزل بها القرآن لم تعد مستعملة في الحياة اليومية، لا بل هناك الملايين من البشر يحفظون القرآن عن ظهر قلب ويتكلمون لغات أخرى.
       وعلى الرغم من أن اللغة العربية ليست مهددة بالانقراض، إلا أنها لم تتمكن من اقتحام التكنولوجيا بالشكل المطلوب. والسبب هو تأخر المجامع اللغوية المنتشرة بإنحاء الوطن العربي في مسايرة التطور التكنولوجي. حيث تفيد بعض التقارير العلمية عن وجود نحو ربع مليون كلمة متراكمة غير مدرجة في القواميس العربية، معظمها من المصطلحات العلمية المتولدة من التطور الهائل للتكنولوجيا، وإن ما يقرب من 5 كلمات في اليوم أي ما يعادل 1800 كلمة في السنة يجب على هذه اللغة استيعابها. هذا التقصير العلمي من قبل المجامع اللغوية، أدى إلى دخول بعض المتعاطفين مع اللغة على خط الإصلاح. حيث تكونت أول جمعية أهلية للدفاع عن اللغة العربية بليبيا في الأيام القليلة الماضية، تهدف إلى تعريب مناهج الجامعات، ولا شك في أن أصحاب هذه الفكرة دعتهم الغيرة لفعل ذلك ــ وهي سمة حميدة ــ إلا أننا نختلف معهم تماماً في طريقة المعالجة ـ مع احترامي الشديد للقائمين عليها ـ فإن أي إجراء عاطفي غير مدروس يهدف للحفاظ على اللغة دون احتساب للنتائج، سوف تكون عواقبه وخيمة على اللغة نفسها. فمن المنطلق العلمي أن تكون المعالجة عملية في إطار خطة، تضعها ـ إن توفرت ـ كوادر فنية تابعة للتعليم، تعمل على إعداد برامج تطبيقية من أجل تحسين تعليم اللغة العربية. أي بمعنى معالجة السبب وهو ضعف الأداء، وليس العلة وهى المصطلحات الأجنبية. 
       وحتى نخرج من دائرة الأقوال إلى الأفعال، وكي لا ينطبق علينا المثل القائل: (جعجعة من غير طحين)، وتلبية لدعوة الاستاد الفاضل (......) عبر صحيفة الوطن، على خلفية إشهار الجمعية الأهلية للدفاع عن اللغة العربية، وأظنه أحد مؤسسيها، عندما خاطبني قائلا: "تعال أنت ....."، وهو على حق، لأن الأقوال يستحسن أن تقترن بأفعال.
        ومن هذا المنطلق، وبحكم التخصص، قُمتُ بمحاولة متواضعة لإعداد خطة تقنية تربوية قابلة للتطبيق، تهدف إلى تحسين طرق تعليم اللغة العربية، معتمداً على أخر المناهج العلمية المدروسة من قبل بعض المراكز البحثية المهتمة بتعليم اللغات. هذه الخطة، أرسَلْتُها عبر البريد الالكتروني إلى المركز المتقدم للدراسات اللغوية والتربوية في جامعة ناسي بفرنسا، والذي كنتُ أحد المنتسبين إليه ومازلت على اتصال وتعاون معه، فكان الرد بالقبول مع بعض الملاحظات التي ضمنتها في الصيغة النهائية للخطة. ثم سلمتها متطوعاً للإدارة المختصة باللجنة الشعبية العامة للتعليم والبحث العلمي، طالباً منهم تشكيل لجنة علمية لدراستها قبل تنفيذها. وما زلت انتظر رداً، (ولعلهم منهمكون في دراستها)، مع استعدادنا لقبول أي نتيجة وفق السياق العلمي. ولا أريد أن استبق الأحداث فلننتظر برهة. وللذين يريدون الإطلاع على هذه الخطة، فهي منشورة في موقع منبر التعليم والبحث العلمي، بعنوان: (خطة تعليمية قابلة للتطبيق). على هذا الرابط:    http://www.menber.org/Articls.aspx 
       وفي النهاية، نأمل أن تكون مساهمتي ـ على تواضعها ـ مفيدة لكل المهتمين بالشأن اللغوي. فإن وُفْقتُ فهو من عند الله، وإن كان غير ذلك فهو من عندي. 

fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire