dimanche 17 février 2013

التعليم التشاركي على المحك، بقلم/ د. فرج دردور

نشر هذا المقال سنة 2010 بموقع منبر التعليم والبحث العلمي، وفي صحيفة الوطن، أيام النظام السابق
التعليم التشاركي على المحك
بقلم/ د. فرج دردور
لقـــد أدركتْ الـــدول المتقـدمة أهميــة التربيـــة والتعليـــم فـــي تطويـــر بلدانهم، وتقدم شعوبهم، فقامتْ بتنفيذ مشاريع كُبرى من أجل تكوين الإنسان؛ حيث سخرت كل الموارد للاستثمار في التعليم، وذلك من خــلال المبدأ المطبق "التدريب مــــن أجــــل الحياة" هذا المبدأ الذي حددته اللجنـــة الدولية المعنية بالتربية في القــــرن الواحد والعشرين. فهو يتناول علاقة الإنسان مع نفسه ومحيطه، وذلك على النحو التالي: "الإنسان يتكون، كيف يتم تكوينه، كيف هو، كيف يعيش مع الآخرين، كيف سيتم ذلك." هذه المشاريع تعتمـــد في تنفيذها على نوعية التعليـم الجيد الذي تحتــــوي برامجه على أدوات تكنولوجيا المعلومات التي يجـــب أن تكـــــون جـــــزءاً لا يتجزأ مــن التدريـــس، لأنـها تشكــل عامـلاً حاسماً فـي سرعة التدريب وانتقال وتبادل المعلومات.
 فمـاذا أنتــم فاعلـــون يا رجــال التعليـــم؟ ومــاذا أعـــددتـم لذلك؟ أم ســـــوف تستمرون فــي طـــرح المشاريع بنتائجها دفعة واحدة وقبل أن تبدأ؟ من ذلك مثلاً، ما تشير إليه هذه الفقرة من نتائج التعليم التشاركي: ((من خلال المتابعة اتضح أن هذه المدارس قـــد حققـــت الآتـــــي:.......)). وهل سيظل بعضكم في ضيافة أحلام اليقظة؟ كما جاء في خطاب أحد مسؤولي التعليم السابقين أمام منظمة اليونسكو، عندما فهم الحاضرون من عموم كلامه، بأن على دول العالم قفل مَدارسها وجامعاتها والتـوجـه إلـى ليبيــا للحصول على أفضل تعليم. طبعاً من سمع ولم ينــمْ، ما أقتنــع؟ 
وبالرجـــوع إلى موضــــوع (التعليــم التشاركى علـى المحك) فإنني لا أقصد عدم نجاحـه، لا قـدَّر الله، مـع أنني لست متأكـداً مـن ذلك. وإنمـا قلـت"على المحـك" انطـلاقاً مـن أهـــدافه التي اقتطفتها من التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي حول تحويل المــدارس العامـة للعمـل بنظـام التعليـم التشـــاركي، وهــذه الأهـداف كمـا وردت فـي التقريـر هـي: 
1. التوسع الأفقي في التعليم التشاركي ووضعه في شكله الصحيح.
2. المساواة بين المعلمين في الحقوق والواجبات.
3. رفع مستوى التحصيل العلمي وتقديم خدمات تعليمية متميزة تحقق مخرجات عالية الجودة.
4. توفير مدارس نموذجية توفر معارف وأساليب وقواعد جديدة غير مطبقة بالتعليم العام وتتفق وأهداف السياسة التعليمية للجماهيرية العظمى.
5. تهيئة البيئة الملائمة للتلاميذ بما يجعلهم أكثر ارتباطا ًًًبالمدرسة.
6. المحافظة على المباني التعليمية والتجهيزات المتوفرة بها.
7. انفتاح هذه المدارس على محيطها وجعلها بِؤرة إشعاع ثقافي في المجتمع المحلي.
8. السماح في هذه المدارس بتدبير موارد ذاتية من خلال استخدام تجهيزاتها في دورات تدريبية متنوعة بما يسهم في توفير إمكانيات إضافية للمدرسة.
إذا استثنينا الهدف رقم 8، والذي يصعب على المرء تصور تطبيقه‼، لأنه يحمل في طياته خلطاً بين التعليم والتجارة، ولا يمكن لأحد أن يضمن بألا تكون الغلبة في النهاية لهذه الأخيرة، وبهذا تفقد المدارس رسالتها. ونحن نقول إن التعليم يجب أن يستثمر في الإنسان وليس في الدينار.
فإن باقي الأهداف السبعة تخص التعليم العام أيضا، وإذا كانت هي نفسها أهداف للتعليم التشاركي، ولم يتم تحقيقها في التعليم العام، بدليل تحويله إلى تشاركي، فكيف سيتم تحقيقها في هذه الأخيرة؟ وخصوصاً أنها سوف تنفذ بنفس المعلم وعلى نفس المتعلم، مع تحويرات شكلية في المبنى تنفع بأن تكون للتعليم العام أيضا‼
ثم كيف توصلتم إلى النتيجة الآتية والتي اقتطفتها من تقريركم هي الأخرى:
((من خلال المتابعة اتضح أن هذه المدارس قـــد حققـــت الآتـــــي: ...... زيادة  شعور المعلمين بالانتماء للمؤسسة التعليمية مما قوى العلاقات بينهم، الأمر الذي عاد إيجابا على العطاء)).
لنفترض أنكم توصلتم لهذه النتيجة من خلال دراسة علمية واستطلاعات ميدانية، وإن كان واقع الحال لا يدل على ذلك. فهل (زيادة شعور المعلمين بالانتماء للمؤسسة التعليمية) تشمل المعلمين الذين يرفضون هذه الفكرة من أساسها؟ وخصوصاً أن إحداهن لها رأى آخر عندما تقول في مداخلة بهذا الموقع: ((يا سيدي المدرس في بلدي آخر من يعلم بأي سياسة تعدّ وتقرّ، وهو ملزم بتنفيذها وبدون نقاش وإلا كيف تفسر النصاب القانوني للحصص الأسبوعية وتدريس أكثر من منهج ويطلب منه التفاعل ومراعاة الفروق الفردية ونشاط مصاحب لأي مادة وتطبيق عدة طرق واستراتيجيات تدريسية حديثة مقابل عدم النظر لمتطلبات حياته لمعيشته ومشاكله العائلية؟ الأمر الذي يحوله من مدرس في الفترة الصباحية أو المسائية إلى سائق تاكسي أو ركوبة عامة ومدرسة خصوصية أو موظفة في إحدى الشركات في الفترة الأخرى؟ زد على ذلك مشاكل التسكين التي عمت على المدارس فقط دون إدارات التعليم الأخرى. سيدي الكلام زايد ناقص لأنه يأتي من ناس ماسكة مكاتب وبدون مشاكل معيشية والله اعلم والمرتاح لا يعلم بأي حال يكون المدرس!)) انتهى كلام المدرسة.
أليس ما تقوله هذه المدرسة في هذا المقتطف هو تعبير حقيقي عن الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية للمدرس ـ وكلها سيئة ـ وهو المسؤول عن تنفيذ أهداف التعليم. فإن كان الأمر كذلك، فهل يأتي الحال من المحال؟
إذن أي عملية تطوير في التعليم لا تأخذ في اعتبارها النهوض بالمدرس ومنحه حقوقه، [ وما أكثرها ]، وأقلها، احتساب الوقت الذي يقضيه في إعداد الدروس والتصحيح والمتابعة وأي عمل آخر خدمةً للمدْرسَة، ولو كان خارجها، جزءاً من ساعات عمله، عندها فقط يمكن التحدث عن معدلات الأداء العالمية للمعلمين.
 ثم وضع حلول للمشاكل التي تعوق العملية التعليمية من داخلها، كتخفيض عدد المتعلمين بالفصل الواحد بحيث لا يتجاوز 20 متعلماً، وهذا لا يتم طبعاً إلا بزيادة الفصول الدراسية. ونحن نعتقد أن النقص في الفصول الدراسية هو الذي أدى إلى استمرار سياسة التدريس بفترتين منفصلتين صباحية ومسائية، والتي أثَّرت بشكلٍ سلبيٍ على حِصة المتعلم من التعليم. كما أدت إلى وضع عدد كبير من المدرسين خارج الملاك الوظيفي، ونحن بأمس الحاجة إلى خدماتهم. 
وعليه فإن معالجة هذه القضايا الإستراتيجية في التعليم، وحدها تؤدى إلى تطور ايجابي ينعكس على المخرجات، وهو ما يتمناه الجميع. عندها سمي ما شئت، تعليم تشاركي، تعليم جماهيري، لا يهم.
أما إذا لم يحصل شيء من هذا، فإن أي محاولة للتطوير تظل شكلية لا جدوى منها، وسوف تكون وسيلة لهدر المال العام دون طائل. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire