lundi 18 février 2013

مهمات الدولة الرسمية، بقلم/ د. فرج دردور

مهمات الدولة الرسمية، بين الرفاهية والمنفعة الشخصية!!!!
بقلم/ د. فرج دردور

       قد يكون العنوان انعكاساً طبيعياً لواقع عام ينسحب على المهمات، إلا أن محتواه لا يخلو من النقد الذي يعبر عن وجهة نظر شخصية، القصد منها التنبيه عما وصل إليه واقع الحال في بعض المهمات، وإن لم يعترف به صانعوه. 
       يبدو منطقياً أن المهمات الخارجية تقع ضمن الإستراتيجيات التي تضعها مؤسسات الدول في برامج طويلة الأمد، تهدف لتحقيق تنمية بشرية معاصرة تسهم في تطوير البلدان وتقدم الشعوب. وتكون هذه المهمات في الغالب، إما لعقد اتفاقيات مع الطرف المقابل تؤدي إلى تحريك جوانب عديدة مثل الاقتصاد وغيرها، أو بالمشاركة في مؤتمرات علمية في إطار تحسين وتطوير البحث العلمي بغرض مساهمة الموفودين وإطلاعهم على خبرات غيرهم ثم جلبها، والعكس أيضاً. وجميعها تعد من مظاهر التعاون الذي يصب في مصلحة البلدان.
       واختيار الموفدين تنظمه قوانين ولوائح، وشروط تتوفر في الذين يُمثلون بلدانهم في مهمات خارجية. والمتابع لهذا الشأن والذي سبق له الاشتراك في مهمات أو مؤتمرات دورية يلاحظ أن أغلب الدول تشارك في هذه المناسبات بمتخصّصين متفوقين في مجالاتهم، وذلك لتنمية قدراتهم ومدها بالخبرة، وبالتالي يكون هؤلاء المتخصّصين ذخراً هاماً للمؤسسات التي أُرسلوا من أجل دعمها، وتكون أعمالهم لاحقاً لها الأثر الواضح في تطوير وجودة أداء هذه المؤسسات. وهكذا تتكرر المهمات في مختلف المجالات، فتزدهر الدول وتتقدم الشعوب بسواعد أبنائها.
       أما في ليبيا وللأسف الشديد، فإن أغلب من تسند إليهم مهمات الدولة الخارجية قد لا تتوفر فيهم أبسط المعايير المهنية والعلمية اللازمة لمثل هذه المهمات، كالتخصص والتفوق والكفاءة وغيرها. ناهيك عن عدم مراعاة الأولوية عند توفر الشروط والمعايير في نفس الأشخاص، فتنعدم العدالة. لا بل أصبحت هذه المهمات في بعض الأحيان هبةً تمنح للمستفيدين بها بحكم القرابة والولاء للمسؤولين.
  وعلى الرغم من أن الدولة في أمس الحاجة لتأهيل كوادر شابة تتسم بوفرة المقومات الشخصية والمهنية الناجحة لدفع عجلة التقدم، إلا أن ما يحصل هو العكس تماماً، حيث يوفد المسؤول نفسه وهو قاب قوسين أو أدنى من سن التقاعد، وقد ينقصه - مع احترامي الشديد -النشاط المطلوب، وتعوزه الحيوية الكافية التي تمنحه القدرة على التركيز. ومن هنا فإن الاهتمام بالشأن العام وفق هذه المعادلة قد يظل مفقوداً. ولهذا تكون قيمة هذه المهمات لا تتجاوز إشباع حاجات أصحابها الموفودين من أجلها، كالرفاهية وتحسين الأوضاع المادية من خلال ما (يُحوشونه) من دولارات. أما مؤسسات الدولة التي غطت مصاريف هذه المهمات، فهي الخاسر الأكبر، لأن بعض مسئوليها أضحوا غير مهتمين بتطويرها، ناهيك عن سلبها. 
       والمستغرب في بلدي هو أن كل هذه الأمور تسير عكس اتجاه عقارب ساعة العالم، ففي حين أن بعض المديرين لا يكاد ينتهي من مهمة إلا ويصعد الطيارة لمهمة أخرى، ومع ذلك فإنهم قليلاً ما يتحدثون عن نتائج مهماتهم. وإن حصل استثناء، فإن الباحث لا يجد ما يدعم به بحثه من نتائج هذه المهمات، إما أنها ضاعت في غياهب (الاضبارات)، أو أنها لم توثق أصلا ويبقى المصدر الوحيد هو صاحب المهمة نفسه، الذي قد يغيبه موت الفجاءة في أي لحظة ويغيب معه نصيب الدولة في تركته.
والنتيجة، أنه كثيراً ما يُواجه الليبيون بالخارج مشاكل حقيقية نتيجة عدم وجود اتفاقيات تنظم العلاقات بين ليبيا وهذه الدول، أو أن هذه الاتفاقيات انتهت بالتقادم. والمحصلة، لا يستفيد الليبي من المزايا التي تمنحها هذه الدول من خلال الاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقات الثقافية والاقتصادية والفنية والعلمية ... وغيرها، مما يحرم الليبيين من التخفيضات التي تقلل من التكلفة التجارية على المواطن أو المنح الدراسية على حساب الدولة المضيفة التي تخفف العبء على ميزانية الدولة.
       عليه وفي ظل هذا النوع من الفساد الذي سكن الضمائر حتى صار الوطن يساوي البطن، أصبح من الضروري إنشاء مركز تقني متطور يدار بلجنة علمية بالتعاون مع الجامعات. يقوم هذا المركز بمتابعة حاجات الدولة لإبرام المعاهدات والمشاركات في المؤتمرات الدولية سواء منها العلمية أو الفنية، فيمنح الموافقات المبدئية لمن يتم إيفادهم بمهمات الدولة الخارجية.
        ويجب أن يتعامل هذا المركز بأسلوب حضاري تقني متطور بعيداً عن البيروقراطية التي تعرقل الإجراءات، مستخدماً أحدث التقنيات في إنجازها وبسرعة قياسية تهدف إلى عدم تعطيل المهمات، ويكون ذلك بالتأكد من هوية الموفدين، ومعرفة جاهيزياتهم للقيام بها، من حيث الإعداد المسبق للمشاركة. وبعد عودتهم يطلب منهم كل المعلومات المتعلقة بمهماتهم، كالتقارير المفصلة التي تلخص نتائجها، والمرفقات الداعمة للخبرات التي تم جلبها.
       ثم يقوم هذا المركز بنشر نتائج هذه المهمات على موقعه بالشبكة الدولية، ليستفيد منها كل من له مصلحة علمية أو مهنية، من متخصصين وباحثين وفنين، وبالتالي نحصل على أرشيف علمي متنوع على الشبكة العنكبوتية، يسهم في تقديم كل الخدمات العلمية والتقنية للمهتمين كل في مجاله. 
       ومن الفوائد التي يمكن أن تكون غير مقصودة في اتِّبَاع هذا النهج من الإجراءات هي: عندما يعرف الموفود في مهمة أن هناك إجراءات ملزمة وجمهور ينتظر نتائج مهمته، سوف يجتهد في الإعداد المسبق لهذه المهمة، ويتفانى في جلب نتائج أفضل جودة ممن سبقوه. فنخلق بهذا الأسلوب حالة من التنافس في حسن الأداء، وهو ما يحصل في العديد من الدول التي تحرص على الاستفادة من خبرات غيرها لتطوير نفسها، وما أحوجنا لخبرات غيرنا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire