lundi 18 février 2013

لامازيغية ثقافة أم هوية..!! بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 14 أكتوبر 2011 الساعة: 11:00 ص


الامازيغية ثقافة أم هوية..!!
بقلم/ د. فرج دردور

       الامازيغ هم من سكان شمال أفريقيا، يضربون في عمق التاريخ إلى أزمنة سحيقة، تمتد إلى آلاف السنين. وقد منحتهم طبيعة وبيئة شمال أفريقيا ميزات ثقافية وخصائص اجتماعية ايجابية، جعلتهم أكثر تماسكاً وتكتلاً، من أهم هذه الخصائص: (البساطة والتواضع، والأنفة وسمو النفس، والتمسك بالعادات والتقاليد، والاستقامة والشجاعة، والميل إلى أخلاق الجد).
       وقد التقت هذه الخصائص الايجابية مع مبادئ الإسلام السمحاء، فأضافت له قوة الحجة لاستقامته مع الفطرة.
ومع هذا التمسك بالأصالة والتراث، ترك الامازيغ مسافة تفصلهم عن الاندماج مع إخوانهم العرب، هذه المسافة الفاصلة سببت لهم الأرق عندما استغلها النظام السابق للتضييق على خصوصيتهم الثقافية واللغوية، مما أدى إلى تأخر هذه الأخيرة عن مواكبة التطور اللغوي، ومع ذلك استطاع الامازيغ الاحتفاظ بهويتهم الثقافية، في دلالة واضحة بأن فقدان اللغة لا يؤدي إلى فقدان الهوية، وإلا ينسلخ الإنسان عن هويته لمجرد حديثه بلغة ثانية كالانجليزية مثلاً، وهو ما لا يتسق مع العلم والمنطق.
       وقد أكد العلم الحديث بأن اللغة ليست هوية، وإنما وسيلة اتصال يعبر الناطقون بها عن أحاسيسهم ومشاعرهم، ويقضون بها حوائجهم، كما أنها وسيلة للفهم والتفاهم بينهم وأداة للثقافة.
       وانطلاقاً من هذا المفهوم اللغوي، فإن اللغة لا يمكن أن تمثل هوية الناطقين بها. حيث يمكن للناس التنقل والعيش في مجتمع غير مجتمعهم، يتكلمون بلغته دون أن يفقدوا هويتهم. والدليل، كنا نعيش كجاليات في دولة غربية نتكلم لغتها ونحن مختلفي الهوية، ومع هذا احتفظ الجميع بعاداتهم وتقاليدهم الأصلية، وهو ما شكل تنوع ثقافي للدولة المضيفة أثرى الحركة الثقافية، ولم يسبب هذا التنوع أي قلق للمجتمع الذي كنا نعيش فيه.
       وقد تعرض أمازيغ الغوانش الذين يعيشون في جزر الكناري إلى طمس لغتهم من قبل الاستعمار الإسباني، وأصبحوا يتكلمون الاسبانية، ومع هذا احتفظوا بهويتهم الامازيغية وحافظوا على ثقافتهم وإن كانت اللغة ليست لغتهم. كما أن بعض من شعوب أفريقيا لغاتهم الرسمية أوروبية، ومع ذلك ظلت هويتهم افريقية وثقافتهم لم تتأثر باللغة الأجنبية.
       ولم يفقد الشعب السويسري هويته على الرغم من أن بعضه يتحدث الفرنسية وبعضه الآخر الألمانية، وكذا الأمر بالنسبة لبلجيكا التي يتحدث شعبها لغتين مختلفتين الفرنسية والهولندية، وعندما حاول حزب بلجيكي ربط اللغة بالهوية، شعر المواطنون بتهديد الوحدة الوطنية، فوجد أعضاء الحزب أنفسهم في مواجهة الشعب البلجيكي، فلا أحد يرغب في إثارة نعرات عرقية تثير الفرقة. والأمثلة على ذلك من العالم كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
      إن العالم المتحضر يهتم أفراده اليوم بتعلم أكثر من لغة دون أن يحسوا بأنهم يفقدون هويتهم عندما يهجرون لغتهم. والعرب في أوج الحاجة لتعلم الامازيغية لفهم لغة إخوتهم، فنحن نتعلم اللغات الأجنبية، فمن باب أولى أن نتعلم الامازيغية.
والمحافظة على اللغة لا يكون إلا بالإنتاج الأدبي والفكري والعلمي، وكثرة التأليف وخصوصاً فيما يتعلق بالقواعد اللغوية والقواميس التي يمكن أن تكون مرجعاً لأهل اللغة وكل من يريد تعلمها.
       ونحن نعتقد أن الخطر الحقيقي الذي يهدد اللغات اليوم، هو عدم استيعاب مفرداتها لمصطلحات التقنية الحديثة، واللغة العربية ليست استثناء من ذلك. حيث تفيد أحدث الدراسات، أن اللغات الباقية هي المستخدمة في التكنولوجيا، وأن نحو 100 لغة من لغات العالم ــ ليس من بينها العربية ــ سوف يكون مصيرها الزوال خلال المائة سنة القادمة. وهو ما عبر عنه البروفسور الفرنسي (فليب ريلي) 2005 بناقوس الخطر في قوله: " سوف ينخفض عدد اللغات الحية في العالم وعلى الشعوب أن تختار لغتها أو لغة غيرها".
       وعلى الرغم من أن اللغة العربية ليست مهددة بالانقراض، إلا أنها لم تتمكن من اقتحام التكنولوجيا بالشكل المطلوب. والسبب هو تأخر المجامع اللغوية المنتشرة بإنحاء الوطن العربي في مسايرة التطور التكنولوجي. حيث تفيد بعض التقارير العلمية عن وجود نحو ربع مليون كلمة متراكمة غير مدرجة في القواميس العربية، معظمها من المصطلحات العلمية المتولدة من التطور الهائل للتكنولوجيا، وإن ما يقرب من 5 كلمات      في اليوم أي ما يعادل 1800 كلمة في السنة يجب على هذه اللغة استيعابها. 
       أما عن قول البعض، بأنه لا خوف على لغة القرآن الكريم، استناداً لقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) يوسف{2}، وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر{9}. فلا شك بأن الله تعالى تعهد بحفظ كتابه في صدور ملايين المسلمين، بعيداً عن التبديل والتغيير، وعلى مر العصور، ولم يثبتْ ـ وفق اجتهاد بعض العلماء ـ أن الله تعالى قد تعهد بحفظ اللغة العربية، والدليل على ذلك أن اللغة التي نزل بها القرآن لم تعد مستعملة في الحياة اليومية، لا بل هناك الملايين من البشر يحفظون القرآن عن ظهر قلب ويتكلمون لغات أخرى.
       وقد كنت أول المعترضين عندما أعلن أحمد إبراهيم، يوم 28/8/2010 عن تأسيس جمعية تضم بعض المفكرين الليبيين للدفاع عن اللغة العربية أمام استخدام اللغة الانجليزية في الجامعات الليبية. حيت حصل جدل بيني وبينهم عبر أحدى الصحف الليبية . واختلافي معهم ينطلق من مبدأ ينسجم مع قواعد البحث العلمي، وهو أن الدفاع عن أي لغة لا يكون باستبعاد لغة غيرها، وإنما يكون بتحسين سبل تدريسها، حتى تستطيع منافسة اللغات الأخرى.
        والأمر من وجهة نظري ينطبق على اللغة الامازيغية، فهي غير محتاجة لصيانتها في الدستور الليبي الجديد، بقدر ما هي بحاجة ماسة إلى عقول أبنائها كي ينهضوا بها حتى تجد مكانها الحقيقي بين اللغات الحية. وخصوصاً، إن (التيفيناغ) قديمة جداً لم تتأثر بعوامل التطور اللغوي مما يجعلها تفتقر لمرونة الاستعمال، وهو ما يساعد على هجرها نتيجة عدم قدرتها على مسايرة العصر. فعلى الرغم من كثرة الإصدارات الجديدة للصحف باللغة العربية، لا تجد صحيفة واحدة باللغة الامازيغية، فمن ـ مع احترامي الشديد ـ يمنعكم؟ وهل مطلوب من العرب أن يؤسسوا للامازيغ صحفهم  ويؤلفوا لهم كتبهم!!. 
       إذن ما من ضامن لبقاء لغة (ما) إلا باستعمال أهلها. يقول ودسون 1996" تموت اللغة عندما ينتهي الكلام بها". ولا يمكن لكل دساتير العالم أن تحمي لغة من الاندثار ما دام أهلها يهملها. 
       واللغة العربية عندما أصبحت بقرار دولي في 18/12/1973 كلغة معتمدة في الأمم المتحدة، لم يكن هذا القرار بضغط من العرب وإنما جاء لانطباق المعايير العلمية اللغوية على اللغة العربية، وإلا أصبحت اللغة العبرية لغة رسمية في الأمم المتحدة.
       وهنا لا أطالب الامازيغ أن يتحدثوا بلغة غيرهم، ولكن ادعوهم للاهتمام بلغتهم إذا أردوا لها البقاء، ولا يتحقق ذلك إلا بالنهوض بطرائق ووسائل تعليمها وتعلمها، وفي مقدمتها تطوير وسائل نطقها لتحسين مستوى المتعلمين فيها وزيادة تعلقهم بها، ولا يكون ذلك إلا بمراجعة شاملة تبدأ من أهداف تدريسها إلى وسائل تنفيذها مروراً بخطط تعليمها، وذلك بهدف إصلاح شؤونها، حتى يُصبح التعليم أجدى وأنفع وأقدر على تحقيق أهدافها. أضف إلى ذلك ضرورة إدخال مفرداتها في وسائل التقنية الحديثة. لأن هذه المتطلبات وحدها من يجعل اللغة الامازيغية حية تأخذ مكانتها بين اللغات الأخرى، ولا سبيل غير ذلك.
       وإن إقرارها في الدستور الليبي القادم لن يخدم الامازيغية في شئ، لأن أبناؤكم مضطرون لاستخدام الهواتف النقالة والحواسيب وكل وسائل التقنية الحديثة بلغات أخرى، وهنا مربط الفرس والتحدي الكبير للامازيع. 
       وأمام هذا التحدي لإحياء لغتكم، وفي ظل الصراع المحتدم بين لغات العالم، عليكم فعل الكثير من أجل تطويرها، حتى تصبح لغة رسمية في ليبيا. عندها فقط سوف تفرض نفسها كلغة معتمدة ولن تحتاج إلى دستور يحميها.
       نأمل أن يحمل كلامي هذا على محمله بلا تأويل، وللجميع حق الرد، وحرية التعبير في حدود قواعد احترام الرأي والرأي الأخر دون إقصاء لفكر أو تجريح لأحد، وألا نحكم على المواضيع من عناوينها.

وفقكم الله لما فيه خير ليبيا

fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire