lundi 18 février 2013

الثواب والعقاب وأثرههما في التربية بقلم/ د. فرج دردور

الثواب والعقاب وأثرههما في التربية
بقلم/ د. فرج دردور

       الاعتدال عند استخدام الثواب والعقاب في التعامل مع الأطفال، يعد دليلاً قيماً على نجاح الأسرة والمعلم في عملية التربية. ونحن نعتقد بأن هذه القضية من القضايا الهامة لتربية النشء تربية سليمة تعكس سلوكهم في مجتمعهم؛ ولهذا يجب التركيز عليها من قبل المعلمين والآباء على حد السواء، وذلك بأن يكونوا ملمين بأساليب الثواب والعقاب وحدودها وملاءمتها للمواقف المختلفة واستخدامها في الوقت المناسب لها. وخصوصاً أن الاعتدال في عملية الثواب والعقاب يساعد على نشر ثقافة التسامح داخل المجتمع، لأن التسامح من الصفات المكتسبة، التي تنمو بين الأفراد بالاحتكاك فتؤثر في سلوكهم؛ وقد اجتهد علماء التربية في تطوير مناهج العلوم الإنسانية ذات العلاقة، كي تخدم العملية التعليمية بشكل أفضل، وتساعد المشتغلين بالمجال التربوي على بلوغ أهدافهم، فكان لهم آراء متعددة في هذا الشأن.
       ولابد من الالتزام بمنهج الشرع والعلم في التأديب والتهذيب وعدم تجاوز ذلك انسياقاً وراء العادات والأعراف أو استجابة لردود الفعل على مواقف المتعلم وما يصدر عنه من طيش أو قصور؛ فذلك يسبب تركه للعلم ويغلق المستقبل المزدهر في وجهه ولا يزال يذكر أستاذه بالسوء والشعور بالظلم. 
       فعندما يخطئ المتعلمون ينبههم المعلم على ما بدر منهم بنصح وتلطف لا بتعنيف وتعسف وباحترام ذواتهم والصبر عليهم والشفقة والرفق بهم، قاصداً بذلك حسن تربيتهم وتحسين خلقهم وإصلاح شأنهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فلقد جمعت الآية الكريمة بين العقاب والمغفرة والرحمة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
       فمن المعروف أن المعلم الذي يحب طلابه ويتودد إليهم هو أقرب إلى قلوبهم، وهو أفضل من غيره من المعلمين الذين يبدون قسوة على طلبتهم. فمن أهم صفات المعلم أن يحب لطالبته ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، وأن يعتني بمصالحهم، وأن يعاملهم بما يعامل به أعز أولاده. وقد حذر الرسول عليه الصلاة والسلام من القسوة بقوله "من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله عز وجل".
       فالمعلم الذي يريد اتباع المنهج السليم يجب عليه أن يتدخل في الوقت المناسب لشكر المتعلم على ما له من فضيلة، وإرشاده ونصحه عمَّا هو فيه من نقيصة أو كسل، أو قصور يعانيه. وقد نهى علماء التربية عن التعنيف لما له من تأثير على شخصية المتعلمين، وما تزال هذه الطريقة سيئة من الوجهة التربوية، لأنها تشعر المتعلمين بالمهانة وتفقدهم الثقة بأنفسهم وتحولهم إلى تلاميذ مستهترين لا يبالون بأي عقاب، وتؤدي إلى عقد نفسية ونفور من المدرسة؛ وعليه يؤمل من المعلم استخدام اللطف واللين مع المتعلم، وأن يتدرج في عملية العقاب، حيث يبدأ بالعبوس والاستياء في الأوقات المناسبة، ولا يرقى العقاب إلى الضرب مهما كان الجرم.
       من هنا يُنظر إلى العقاب على أنه تربية وتأديب وتحسين للخلق، والمعلم هو مرشد وموجه للمتعلم يسير وفق منهج علمي يهدف إلى تكوين سلوك مرغوب فيه. ولتحقيق ذلك على المعلم أن يوضح للمتعلم سبب العقاب، ثم يوجهه إلى السلوك الصحيح؛ فحينما يقتنع المتعلم بقصد المعلم من العقاب يكون متفهماً له وسبباً في تعديل سلوكه.
       وعلى المعلم أن يدرك أن وقوع الطالب في الخطأ، لا يجب أن يجر وراءه عقاباً بصورة دائمة، فالخطأ أمر طبيعي عنده طالما هو في حالة تعلم، بل يجب أن تستثمر بعض أخطاء المتعلمين لتساعدهم على التعلم والنمو، فالكثير من الناس يتعلمون من أخطائهم، ولهذا على المعلم أن يوجه الطالب ويصلحه. وإن كان العقاب لا بد منه، فيجب أن يعرف الطالب سببه، وأن يكون بعيداً عن الطلاب الآخرين، حتى لا يعاقب الطالب    مرتين مرة من المدرس، ومرة من سخرية الطلاب وإهانتهم له.
       وإذا استخدام المعلم الثواب نظير عمل ما، لابد أن يكون أسلوبه مبنياً على الحكمة وعدم المبالغة، فكثرة الإثابة تؤدي إلى تقليل من قيمة الثواب، فينحرف عن الهدف المنشود، والثواب والعقاب يجب أن يكون بعد الفعل مباشرة حتى يقترن به. 
       وعلى أي حال يجب على المعلم أن يمتدح أكثر مما يذم، لأن المدح أبقى أثرا وأحسن من الذم. فيجب التركيز على الثواب أكثر من العقاب في عملية التعليم لأن أثره أقوى في تحسين التعلم. وهذا ينطبق أيضاً على كل مربٍّ.
        وفي ضوء ما سبق على المربي ـ أياً كان نوعه ـ أن يدرك عدة أمور في عملية الثواب والعقاب نجملها في الآتي:
       1. أن يكون العقاب أو الثواب بعد الفعل مباشرة حتى يدرك الطالب سبب الثواب أو العقاب.
       2. أن يتدرج العقاب بالنهي عن الفعل أمام الطلاب دون التصريح بصاحب الفعل ثم النهي سراً ثم الجهر بالنهي حتى يكون عبرة لزملائه فلا يفعلون ما قام به.
       3. أن يكون العقاب لسوء خلق صدر من الطالب أو تقصير في الواجبات بمعنى أن يكون هدف العقاب التأديب وتعديل السلوك.
       4. عندما ينتهي الطالب عن خطأه ولا يكرره ثانية على المعلم ألا يذكره أمامه حتى لا يعود الطالب للفعل الخاطئ مرة أخرى.
      5. عندما يشكر المعلم المتعلم على فعل قام به، لا بد أن يكون الشكر أمام زملائه حتى يكون قدوة لهم.
       وفي الختام نأمل من كل معلم أو مربي، أن يكون حليماً مع أبنائه، رحب الصدر كثير الصبر، يستطيع أن يضبط نفسه ويكظم غيظه، ولا يغضب لأتفه الأسباب؛ فإذا وقع من الابن نقص لا يكاد يخلو منه إنسان، أو سوء أدب في بعض الأحيان؛ يمكن للمربي أن يوقفه على ما صدر منه بنصح وتلطف لا بتعنيف ولا تعسف قاصداً بذلك حسن تربيته أو تحسين خلقه، أو إصلاح شأنه. ولهذا فإن صبر المربي على أبنائه من الأمور المهمة في العملية التربوية، لأن القصد والهدف تعليمهم حسن الخلق بروية وصبر.

وفق الله الجميع إلى ما فيه الخير

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire