lundi 18 février 2013

ليبيا: بالعلم والثقافة تتحقق الحصافة بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 6 ديسمبر 2011 الساعة: 10:06 ص


ليبيا: بالعلم والثقافة تتحقق الحصافة
بقلم/ د. فرج دردور

        من أجل ليبيا دولة المؤسسات، موحدة وقوية تنعم بالديمقراطية، نتوقع من الحكومة الجديدة أن تركز على إعادة بناء الإنسان الذي حُرم طوال أربعة عقود من كل الوسائل العامة التي تمده بالثقافة، كارتياد المكتبات واقتناء الكتب، وقراءة الصحف والمجلات، ويتضح ذلك جلياً من افتقار البلاد إلى المكتبات العامة والخاصة، أما المتوفرة منها فهي فارغة، زد على هذا اختفاء الأكشاك من المدن، وهي التي يشتري منها الناس مختلف المطبوعات التي تحتوي على الأخبار اليومية، وكل جديد في العلوم والمعارف والتقنية. أضف إلى ذلك، ما قام به النظام السابق من محاربة كل فكر لا ينضح من منهله الأخضر، فحجب العباد عن النور حتى لا يرون إلا البؤرة التي سمح بها من خرم خيمته.
       هذا الواقع الأليم يتطلب بذل الكثير من الجهود المضنية، كي يتم التخلص من مظاهر الإرث الثقافي الذي أثر سلباً في حياتنا، ولا زال يعكس تصرفاتنا ولو بنسب متفاوتة، من هذه التأثيرات، تمجيد الأشخاص والالتحام بهم، وعدم الاستماع للرأي الآخر، ورفض النقد البناء، وانعدام الحوار، وسرعة الانفعال، والتسرع في إطلاق الأحكام، والتفرد بإصدار القرارات الجريئة غير المدروسة، والحديث عن إنشاء دولة ديمقراطية واعدة، وأفعال تنم عن ديكتاتورية مطلقة، تبدأ من البيت في التعامل مع الزوجة والأولاد، والنظام المدرسي، إلى وسائل الأعلام، وحتى القرار السياسي.
        وجزء من الحل يكون في الحرص على مراقبة تصرفاتنا والتخلص من السيئ فيها، وألَّا نقيد حركتنا بأفكار مقولبة تكبل إبداعنا. وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني التي يجب أن تهتم بإرشاد الناس نحو الاستقامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم"، ولا شك بأن الإعلام يلعب جزءاً كبيراً من هذا الدور الإرشادي. 
       أما الإعلاميون، فعليهم زيادة الإطلاع ومتابعة الجديد في العلم، كي يتمكنوا من الإلمام بأصول المهنة، وكسب دماثة الأخلاق والحصافة، وبالأخص بعض مُقدمي البرامج المسموعة والمرئية، الذين يؤمل منهم ألا يتدخلوا في توجيه الجمهور خدمة لأجندات معينة، وألا يدينوا بولاء لأحد أو إقصاء لرأي مخالف. كما عليهم الابتعاد عن أسلوب الجزم والتأكيد عند إطلاق الأحكام، وأن يتفادوا اتخاذ مواقف متطرفة ضد جهة (ما) لمجرد تباين في الآراء. وأن يتحروا الدقة والموضوعية في توجيه النقد، الذي يجب أن يوجه لأعمال الأفراد ولا يصل إلى ذاتهم أو يخدش عائلاتهم. 
       هذا إن أعطوا لأنفسهم حق توجيه النقد، لأن دواعي المهنة تحتم عليهم الاحتفاظ بآرائهم الشخصية وترك الجمهور ــ دون إيحاء ـ يحكم على ما يثار، كما يجب عليهم أن يتوقفوا عن تقسيم الليبيين بين ثوار ومتسلقين، فهذا ليس من اختصاصهم أو اختصاص قنواتهم، وإنما هو من اختصاص المحاكم، وعليهم الاكتفاء بإدارة الحوار إدارة جيدة، تصب في صلب المواضيع المطروحة، وأن تكون لديهم القدرة الكافية على توليد الأسئلة من النقاط المهمة في الحوار، ثم اختيار الألفاظ المناسبة التي تجسد رسالة الإعلام التوعوي الذي يرسخ ثقافة الحوار، واحترام الرأي الآخر، وقبول النقد البناء. 
       وكذا الأمر بالنسبة للمستمع أو المشاهد عندما يشترك بتعليقاته على المواضيع المطروحة، فعلى مقدمي البرامج أن يوجهوه لاختيار الألفاظ الصافية النقية التي توصل رسالته دون تجريح أو توجيه إهانة لأحد بأي شكل كان، مهما اختلفت وجهات النظر. وألا تخرج هذه الرسالة عن الموضوع المطروح للحوار أو النقاش.
        وفي الوقت الذي يجب أن يؤكد فيه الجميع على ضرورة احترم الرأي والرأي الآخر مهما كان مخالفاً، لأهميته في إثراء أي حوار، فإن كُتَّاب ومعلقي الصحف المقروءة يحتم عليهم أن يجتهدوا في اختيار الألفاظ المناسبة، التي تحترم آدمية الإنسان في كتاباتهم، فمصدرها يدل على سلوك مطلقيها، هذا إذا اعتبرنا أن لكل إنسان مخزوناً هائلاً من المفردات يحتفظ بها في ذاكرته، فينضح منها كلما دعته الحاجة للتعبير، هذا المخزون الموروث من تأثيرات الاحتكاك الاجتماعي، والاكتساب الثقافي للكاتب أو المعلق، هو الذي يحدد مسار أسلوبه عندما يختار كلماته، ويعد دليلاً قاطعاً لا يقبل الشك، على خلفية مستواه العقلي.
         الأمر الذي يُوقع على كل الكتُّاب مسؤولية الارتقاء بوسائل التعبير لديهم إلى مراتب أفضل كي تواكب العصر، فيسهموا في تهذيب أخلاق الناس، كلما أضافوا للقراء في كتاباتهم مفردات منتقاة تتراكم في ذاكرتهم، فتحسن أساليبهم وبالتالي تنعكس على تصرفاتهم. 
       ولا ننسى دور الصحف التي يجب أن تحترم قواعد النشر، فلا تُجيز نشر التعليقات التي لا تمثل رأي موافق أو مخالف للموضوع المعروض، وإنما يرمي بها أصحابها على الكاتب، بألفاظ غير لائقة لا تخدم أي غرض، سوى لما في نفس المعلق، فعندما يحس هذا الأخير بأن تعليقه لا ينشر عندما يخرج عن نطاق الأدب، سوف يمتنع عن اٍستخدام الألفاظ النابية، فيحسن أسلوبه، وبهذا نكون قد أسهمنا في تهذيب أخلاق الناس دون أن ندري، ولا شك بأن جزاءنا سوف يكون عند الله عظيم، لأننا لم نشترك في إشاعة المنكر.
        هذا المجهود من الكتاب والناشرين سوف يساعد على إعادة صياغة دور إعلامنا حتى يحقق أهدافنا التي نضعها من أجل خدمة قضايانا، ولا يكون أداة مسلطة يُتعدى بها على ذاتنا. وكلما اقتربنا من تحقيق هذا النهج الحضاري في التخاطب بيننا، سوف نعطي  الصورة الحسنة عن شعبنا الذي يعد مثقفوه المرآة العاكسة لمدى حضارته. 

   أتمنى من الله العلي القدير، أن يوفق الجميع إلى التعاون على فعل الخير، ودرء الفتن.


fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire