lundi 18 février 2013

الثورة الليبية: الثمن باهظٌ والقيمة أكبر بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 21 فبراير 2012 الساعة: 09:00 ص


الثورة الليبية: الثمن باهظٌ والقيمة أكبر
بقلم/ د. فرج دردور

       في الذكرى الأولى للثورة، نحمد لله على نعمة الحرية التي أصبحتْ أمراً واقعاً بفضل ثوار17 فبراير، هؤلاء الأبطال الذين دفعهم انغلاق النظام (الجماهيري) للقيام بثورة لم يبخلوا بالتضحية في سبيلها، وإن كان الثمن باهظاً، حيث سقط الآلاف من الشهداء والجرحى على أرض ليبيا الطاهرة. 
       ولعل من الأسباب الجوهرية لهذه الثورة المباركة، الفجوة الكبيرة بين ما يشهده العالم من تطورات في مختلف المجالات، ومواكبة الشباب الليبي لهذه التحولات بفضل تقنية المعلومات واستيعابهم لها. وما يمثله النظام (الجماهيري) من تخلف شدَّ عن كل القواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان هذا بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فولدَّت احتقاناً بين فكر متقدم يمثله شباب ليبيا الأحرار، وأخر متخلف يمثله نظام الدولة الفاسد، هذه الفجوة أدت إلى صدام حقيقي بين الحداثة والتخلف. فاستطاع الأبناء كسر حاجز الخوف الموروث عن الآباء، وكان للظروف المحيطة وإرادة الشعب دوراً في اشتعال هذه الثورة، لتحرق أسباب التخلف بسواعد شبابها، وعلى الرغم من ضخامة التضحيات من جراء شدة القمع المنظم لوأد الثورة في مهدها، إلا أنها حققت سبقاً لم تشهده أي ثورة غيرها في القدرة على الصبر وشدة العزيمة لتحقيق النصر. ومهما كان الثمن فإن القيمة تظل أكبر لجسامة الحدث.
       لقد صبر الليبيون سنوات طويلة على أمل تصحيح الأوضاع، وطالب بعض المثقفين منهم عبر المساحة المكبلة بالخطوط الحمراء بضرورة الإصلاح، وهو أقصى ما استطاع الكُتُّاب التعبير عنه بأقلامهم في زمن الرعب والخوف من قطع الأنامل. مع أن كل المؤشرات كانت تدل على استحالة حدوث إصلاح من داخل نظام يرى في استمرار حكمه، على مدى أربعة عقود، دليل نجاح منهجه. ولهذا تمسك بكل آليات القمع للحفاظ عليه، فجعل من خطوطه الحمراء حصناً لا يجوز الاقتراب منه، ولو كلف الأمر التضحية بفناء شعب وجلب آخر يحل محله. وقد تحوط لذلك منذ سنين عندما كان يجلب المرتزقة ويدربهم على حمل السلاح ثم يمنحهم الجنسية الليبية بالتجاوز على القانون، استعداداً لمثل هذا اليوم، دون أن ينتبه الليبيون لذلك.
       كان القذافي يعتقد بأن الليبيين أصابهم الضعف واليأس، أمام إحساسه بالقوة من إحاطة أبنائه والمقربين والمنتفعين من حوله، وخصوصاً بعد أن وجد حلولاً لمعظم مشاكله العالقة مع الغرب، فأزداد شعوره بالعظمة والغرور، حتى صار لا يرى إلا نفسه، متوهماً أن كبر حجمه يفوق قدرة العالم على استيعابه، فتألّه في وسط أُجبر على عدم رؤية غيره، وقد كان ذلك وضحاً في تسمياته لنفسه: (ملك ملوك، وزعيم أممي وما إلى ذلك من التسميات التي أطلقها على نفسه....).
        الشعور بالعظمة الذي كان يغمر القذافي جعله يستخف بقدرة الشعب على مقاومة أي اتجاه سياسي يفرضه، كالتوريث لأبنائه من بعده. هذا الشعور انعكس في خطابات القذافي الأخيرة أيام الثورة، عندما كان يَهْذي، فيأمر بالزحف ويدعي واهماً حدوثه، والأمثلة من غير ذلك كثيرة. كل هذا يؤكد أن الرجل كان يعيش واقعاً افتراضياً منفصلاً عن محيطه الحقيقي، هذا الانفصام أسهم في انتصار الثورة، نتيجة التزامها بمعايير الصدق والشفافية، فكانت عاملاً مسانداً في عملية الحسم.
       والآن وبعد أن انتصر الشعب بسواعد أبنائه، نستطيع القول بأن الثورة حققت المهم وهو التخلص من النظام وما زال الأهم وهو البناء، وعلى الرغم من توفر الإرادة الصادقة من أجل تطوير البلاد، إلا أنه لابد من الاعتراف بأننا غير قادرين لوحدنا من أجل القيام بذلك، لنقص في الكفاءات، وخصوصاً في الممارسة السياسية. وما المانع أن نستفيد من خبرات غيرنا ما دام هدفنا إعادة بناء وطننا على أسس سليمة، تبدأ بالإنسان الذي حُرم من حقه في التأهيل اللازم للنهوض ببلده، مروراً بكل المجالات حتى يتحقق الهدف. وسوف لن يتأخر العالم عن مساعدتنا إذا قدمنا أنفسنا على أننا مجتمع متحضر يتمسك بتراثه الديني والثقافي، وينبذ العصبية الباعثة للفرقة، يقدم الفرد فيه الوطن عن البطن والدولة عن القبيلة. 
       عندها فقط يمكن أن ننال احترام الشعوب الأخرى فلا يترددوا في مساعدتنا من أجل النهوض ببلدنا، ولنا في بعض دول أسيا وأمريكيا اللاتينية أفضل مثل. وما يشجع أن قلة عدد شعبنا وكثرة إمكانياتنا تساعد على ذلك، هذا إذا استغلت مواردنا الاستغلال الأمثل واختصرنا الزمن بالاستفادة من خبرات غيرنا، وبسواعد أبنائنا.

وفق الله الجميع للنهوض بالبلاد


fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire