lundi 18 février 2013

المجلس الانتقالي الليبي: عقليات وخلفيات.! بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 5 فبراير 2012 الساعة: 15:38 م


المجلس الانتقالي الليبي: عقليات وخلفيات.! 
بقلم/ د. فرج دردور

       قد نتفق مع بعض الأصوات التي تقول بأن بناء المجلس الوطني الانتقالي تم بشكل توافقي فرضته ظروف مرحلة التحرير، ولكننا نختلف تماماً على أن عناصر هذا البناء قد تم اختيارهم بالطريقة نفسها، باستثناء السيد المستشار مصطفى عبد الجليل وبعض من زملائه الذين يَحظون برضاء عام من معظم الليبيين، أمَّا غيرهم فقد انضموا للمجلس بطرق مختلفة، فمنهم على سبيل المثال من اعتبر هروبه إلى تونس، مفضلاً عدم المواجهة، بطولة جعلته ينظم إلى هذا المجلس، وهناك أيضاً أعضاء آخرين مثلوا مدنهم دون استشارة مناطقهم، كما يوجد عدد من رواد الفنادق الذين قَدموا من الخارج، وبظهورهم على بعض القنوات الفضائية في فترة كان فيها أي صوت ليبي يصدح ضد نظام القذافي أمر مرغوب، أصبحوا هم الآخرين قادة للتحرير، وبمجرد انضمامهم للمجلس صاروا يبحثون عن ضالتهم القديمة وهي حياة البذخ، ولكن هذه المرة من أموال الشعب الليبي، وقد شاهدنا بعضهم في فندق ريكسوز وغيره، ويمكن الإطلاع على حالة ترفهم من خلال كشف مصاريفهم بالداخل والخارج. 
       إذن لنتفق أن خلفيات وجود أعضاء المجلس الانتقالي متنوعة وبعضها نفعية، لا تقدم خدمة إلا لأصحابها، ويظل الغائب المجهول عن هؤلاء هو المستوى العلمي والثقافي والكفاءة، فهذه الأشياء لا يزال الشعب الليبي غير متأكد من وجودها على الأقل في عدد كبير منهم، وقد يكون من بينهم متعلمين تكلس فكرهم نتيجة حرمانهم طيلة السنوات الماضية من مواكبة التطورات التي حصلت في قوانين العالم وأممه، مثلما هو الحال مع بعض أعضاء اللجنة الذين صاغوا قانون الانتخابات. وهذه اللجنة في الحقيقة هي من اختيار هذا المجلس المعيب أصلاً في بنائه.
       وكم كان بودنا أن نطلع مباشرة على الطريقة التي يتم بها النقاش داخل المجلس حتى نتمكن من التعرف عن خلفياتهم الثقافية واتجاهاتهم الفكرية، ولكن للأسف لم يتحقق ذلك على الرغم من المطالبات المتكررة بأن يكون هذا المجلس أكثر شفافية في عرض اجتماعاته على الشعب الليبي من خلال وسائل الإعلام، إلا أن جلساته لا تزال تتسم بالسرية، وهذا ما يجعلنا نتكهن في فهم عقلياتهم من خلال قراراتهم.
       وبما أن بناء هذا المجلس كان معيباً وخلفية وجود بعض أعضائه ليس بالضرورة وطنية، وسكوت الليبيين عنهم يرجع إلى ظروف مرحلة التحرير. وبعد أن انتهت هذه المرحلة، والانتقال إلى مرحلة البناء أصبح ضرورة ملحة، فإننا في أمس الحاجة إلى كفاءات تؤسس إلى بناء ليبيا المستقبل دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ينبذ الجميع فيها كل ما يثير النعرات والفتن أياً كان نوعها ويتعامل أفرادها بروح التعاون بعيداً عن سياسة الإقصاء والتهميش. 
       ونحن لا نعتقد بأن أعضاء هذا المجلس قادرون على المساهمة في تحقيق ذلك، لأن بعضهم مازال مكبلاً بإرث ثقافي تعود عليه طيلة السنوات السابقة، من ذلك: عدم الاستماع للرأي الآخر، ورفض النقد البناء، وانعدام الحوار، وسرعة الانفعال والرد بعنف، والتسرع في إطلاق الأحكام، والتفرد بإصدار القرارات الجريئة غير المدروسة، والحديث عن إنشاء دولة ديمقراطية واعدة، وأفعال تنم عن ديكتاتورية مطلقة. فهذه الصفات المجتمعة في اغلبهم تجعل من الصعب أن يُوكل إليهم اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية، ومن هنا لا يجوز أن يؤخذ بأصواتهم من أجل التأسيس لمستقبل ليبيا.
وكي لا نتحدث من فراغ، فإننا نسأل أعضاء هذا المجلس عن الدراسات والاستشارات التي اعتمدوا عليها عند تقسيمهم للمقاعد الانتخابية، وعن الهواجس التي جعلتهم يبعدون مزدوجي الجنسية من الحياة السياسية في ليبيا؟.
       نعتقد أن قرارات هذا المجلس هي بدوية وبدائية تفتقر إلى الحكمة وأصول الدراسة مقارنة بمتطلبات القرن الواحد والعشرين، وقد نبهنا إلى ذلك في لقاء تلفزيوني سابق عندما اشرنا إلى ضرورة طلب التعاون الدولي في عملية بناء الأحزاب في ليبيا والعملية السياسية بشكل عام، وكنا  قد استنتجنا ذلك من خلال متابعتنا للجدل السياسي في هذه المرحلة والذي كان يدور حول اتهام البعض للأخر بالعجز بهدف الإسقاط دون تقديم البديل الجيد، واعتماد سياسة الإقصاء كان هو السائد في أغلب الحوارات، حتى أننا سمعنا عن محاولة تغييب بعض أعضاء المجلس بعدم تبليغهم بالحضور كي لا يصوتوا ضد قانون الانتخابات، وهذه العقلية القديمة الجديدة في مستوى التفكير قد تؤسس إلى نظام ديكتاتوري تسلطي، لا يختلف عن نظام القذافي إلا كونه أكثر توسعاً، لأن الداعين له ينطلقون من خلفياتهم الاجتماعية والقبلية، وهو ما يجعل الكفاءة والخبرة في مهب الريح.
       لقد ظهر أحد مسؤولي المجلس في مقابلة تلفزيونية ليبرر سبب تقسيم المقاعد الانتخابية بهذه النسب على أنه تخوف من وصول الإسلاميين للسلطة، وهذه سقطة ديمقراطية من العيار الثقيل، وكان مبرره بأن الإسلاميين أكثر تنظيماً، وكأنه يشير بأن قيادة ليبيا يجب أن تكون بدون تنظيم، فهو بهذا التفكير لم يستطع الخروج من أفكاره المتأثرة بتداعيات الحقبة السابقة، وأضاف بأن الشعب الليبي تنقصه الخبرة في الديمقراطية، وهذا كلام صحيح، ولكنه نسى أن أعضاء المجلس هم ليبيون أيضاً ينهلون من المنبع الثقافي نفسه، فكيف مع احترامي الشديد، أن يمثل القاصر قاصراً؟
الحقيقة لا نريد التحامل على أحد ولكن يجب وضع الأمور في نصابها، فليبيا وبعد هذا الدمار الهائل على مدى 42 عاماً، محتاجة لكل فرد يحمل خبرة لأجل إعادة البناء. وبدل أن يرسخ هذا المجلس مبدأ إبعاد الليبيين من حاملي الجنسية المزدوجة وجلهم من أصحاب الكفاءات، عليه العمل على جلب الخبرات من غير الليبيين ليسهموا في بنائها، ناهيك عن الليبيين أنفسهم الذين هاجروا وهم من الكفاءات الليبية في الخارج والذين يقدر عددهم بالآلاف في مختلف المجالات والتخصصات. 
       لقد صوت البرلمان الفرنسي على قانون الهجرة المنتقاة الذي طرحه ساركوزي، وهو يمنح الجنسية الفرنسية للكفاءات من مختلف أنحاء العالم ليسهموا في تقدم فرنسا المتقدمة أصلاً، في هذا الوقت نجد أن أعضاء هذا المجلس يحرمون ليبيين أصلين أرغمتهم ظروفهم أن يتحصلوا على جنسيات أخرى من المشاركة في الحياة السياسية في ليبيا، وبعضهم يفوق عمره النضالي من أجل ليبيا عمر بعض أعضاء المجلس، لا بل أن بعضهم ترك حياة الرفاهية في الغرب وامتشق السلاح ليقاتل على أرض ليبيا فسقط شهيداً.
       وعليه لا يمكن للشعب الليبي أن يقبل بإقرار قوانين مشوهة لا تتماشى مع متطلبات العصر من قبل أعضاء مجلس بعضهم قبليون ومنهم نفعيون وبسياسات النظام السابق متأثرون، نتركهم يؤسسون لمستقبل ليبيا فيجرون الناس خلف أفكارهم نحو المجهول الذي ثار الليبيون من أجل التخلص منه.
       والحل هو الرجوع إلي الشعب فنحن لدينا حكومة انتقالية يجب عليها صياغة قانون انتخابات بعد أن توسع دائرة الاستشارة الدولية والمحلية، ثم يطرح للنقاش العام قبل التصويت عليه بالوسائل المختلفة كمنظمات المجتمع المدني والإعلام، وبعدها يعرض من جديد على أعضاء المجلس الذين هم جزء من هذا النقاش، عندها سوف يجدون أنفسهم بأنهم على خطأ لأنهم صوتوا على قانون مشوه لم يطلعوا على غيره.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire