lundi 18 février 2013

كتائب جهادية أم شركات أمنية..!! بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 16 أكتوبر 2011 الساعة: 12:06 م


كتائب جهادية أم شركات أمنية..!!
بقلم/ د. فرج دردور

في الوقت الذي يقوم فيه المجاهدون الأبطال، وهم يمتشقون السلاح، بدورهم من أجل تحرير ليبيا، فيسقط منهم كل يوم شهداء وجرحى في ساحات الوغى، نجد مسلحين آخرين من بعض الثوار المتخلفين عن جبهات القتال، أو ممن تحصلوا على السلاح من معسكرات كتائب القذافي بعد فرارها، يقومون بعمليات إطلاق نار من حين لآخر بمناسبة أو بغير مناسبة دون مراعاة للمكان أو الزمان. 
وتكون الخطورة أكثر تأثيراً حيثما يطلق الرصاص بشكل جماعي؛ فيسببون إزعاجاً للسكان ورعباً للأطفال، وخصوصاً عندما يكون إطلاق النار عشوائياً في ساعات متأخرة من الليل من بعض المسلحين الذين لا يهمهم إذا كانوا في حي سكني أو بالقرب من مستشفى، وثقافتهم طبعاً لا تسمح لهم بمعرفة العواقب النفسية التي يسببونها للأهالي والأضرار التي قد تصل إلى عمليات قتل وجرح بالخطأ، ومن المثير للاهتمام أن كثيراً من المسلحين ليس لديهم فكرة كافية عن استخدام السلاح، كأوضاع الأمان مثلاً، أو من حيث المدى الذي يصل إليه المقذوف، أو ارتداده بعد اصطدامه بجسم صلب، فيوقع المسلح إصابات أحياناً لا يعلمها عندما يصيب مقذوفه أحد الأشخاص في الجانب الآخر على بعد مئات الأمتار وهو لا يراه. وما تفضل به المستشار الفاضل عبد الجليل يوم التحرير بتحريم إطلاق الرصاص عبثاً، إلا عين الصواب.
 لقد أفادت بعض المصادر الطبية عن وقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى، أغلب المصابين لم يُعرفْ مصدر إصابتهم. هذه الحصيلة ـ التي لم يسقط أصحابها في المعارك وإنما سقطوا نتيجة الابتهاج بشائعات لا معنى لها ـ تؤشر ظاهرة خطيرة تعبر عن فقدان السيطرة الأمنية للجهات الشرعية. هؤلاء المسلحون بعضهم مدعومون من المجالس العسكرية التي انتشرت بكل مكان في مدينة طرابلس وهي تدير كتائب تشكلت بعد تحريرها!!، مما يذكرني بمقولة القذافي السيئة (اللجان في كل مكان)، وهي فعلاً شبيهة من حيث التشكيل والعمل، بمثابات اللجان الثورية!!!. 
 وتزداد الخطورة عندما تتحول هذه الكتائب ممن يدعي قادتها بأن لهم دور جهادي في تحرير ليبيا، إلى أدوات قمع ترهب المواطنين، يستغل بعضها عمليات تطهير المدن من الطابور الخامس في القيام بدور (الشركات الأمنية الخاصة)!! التي تقدم خدمة لصالح أفراد أو مجموعات، يسلطونهم على كل من يخالفهم في رأي أو ينازعهم في ملك؛ فتكون هذه الكتائب أداة طيعة تحت تصرفهم لتأديب خصومهم؛ وفي الغالب ما يكون هؤلاء من أقرباء مجلس عسكري أو محلي. والمستغرب أن جزء من هذه الكتائب تلونت بشعار الجيش الوطني لاكتساب الشرعية، ويستمر بعض منتسبيها في ممارسة ترهيب الآمنين تحت هذا المسمى. 
وعلى الرغم من أن كل المدن شكلت مجالس عسكرية ومحلية تعتني بتقديم الخدمات لمواطنيها، إلا أن هناك بعض المناطق تمارس سياسة (كسر الطول)، فترسل كتائبها لإجراء مداهمات وعمليات قبض خارج نطاق مهامها، استناداً إلى تقارير مناصريهم الذين يصنفون لهم الناس ـ وفق خلافاتهم الشخصية ـ بين ثوار وطابور خامس؛ فيقومون باعتقال بعض الأشخاص لأيام، وبعد الاعتداء عليهم أمام خصومهم، يخلون سبيلهم، وبهذا السلوك المشين يقدمون خدمة لأنصارهم وإن كانوا من أصحاب السوابق. 
وعليه لا بد من دعم جهاز الأمن الوطني (الشرطة) كي يقوم عناصره بدورهم الشرعي في حماية الأمن، وعلى الرغم من أن هذا الجهاز يحتاج إلى إعادة تأهيل، إلا أن أفراده ملمين بالقوانين وطرق تنفيذها ولو بشكل نسبي، ولا بديل متاح ينوب عنهم في هذه المرحلة، ويمكن إعادة تأهيل بعضهم في مراحل أخرى؛ ولا سبيل لتجاوز حالة الرعب التي يعيشها المواطن جراء فقدان الأمن نتيجة (تَغَول شركات) المجالس العسكرية، إلا بالانتقال التدريجي إلى دولة المؤسسات.
 أما الجيش الوطني فإن تكوينه في ظل هذه الظروف ـ على ما يبدو وفق بعض التصريحات من هنا وهناك ـ لن يكون إلا جيشاً ميليشاوياً جهوياً، كل منطقة تطالب فيه بحصة. ومهما قدم مرؤوسوه من تطمينات؛ فهي رذاذ لا قيمة لها على أرض الواقع. وخصوصاً أن بعض المناطق بدأت فعلاً بتجهيز كتائب باسم الجيش الوطني، ولتحقيق ذلك احتفظت بكمية كبيرة من السلاح في حوزتها. 
علماً بأن ما يسمى (بالجيش الوطني) مهمته حماية الحدود، وليس من اختصاصه القبض أو اعتقال المواطنين العاديين، لقصر خبرتهم في هذا المجال؛ ولو سمحنا باستمرار هذا الوضع على ما يبدو عليه، فقد يتحول الجيش إلى جهاز قمعي في أيدي جنرالات طامحين للسلطة، مثلما حصل في الجزائر حينما انقلب جنرالاتها على الديمقراطية فاستقر لهم الحكم بعد معارك دموية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض ضباط الجيش الليبي وقادة الثوار ـ مع احترامنا الشديد لهم ـ  قد كونوا بطانات وحمايات شخصية، يسيرون في مواكب عسكرية تشبه الطريقة القذافية، ويمارسون في وقت الشدة نوع من (البهرجة والبذخ) غير الضرورية. وهذا لا يعني بأنهم مقصرون أو تنقصهم الوطنية، ولكن وجب التنبيه. وإن اللبيب من الإشارة يفهم. 
وعليه: وبعد أن تخلصنا من نظام الطاغية، وفي غياب سلطة مركزية قادرة على حماية أمن الناس، وفي وجود مجالس تنفيذية وعسكرية نصب أفرادها أنفسهم حكاماً لمدنهم بطرق غير ديمقراطية. ننصح الإخوة المواطنين أن يوثقوا الانتهاكات وكل ما يتاح من معلومات كالتسجيلات لمن يقوم بهذه التجاوزات من مجالس تدعي الوطنية وتنتهك أبسط الحقوق الإنسانية بادعاءات افتراضية، أغلبها يفتقد للمصداقية. وبهذا يتسنى لكل مظلوم رفع قضية ضد قادة هذه المجالس عندما تنتهي الفوضى الحالية وتصبح البلاد آمنة وسوية. 
كما ندعو كل المنظمات الحقوقية أن تراقب الوضع الأمني عن كثب، للوقوف على هذه الانتهاكات، وأن تفتح باب الشكاوى لكل من يتعرض لها، وقد بدا بعض هذه المنضمات فعلاً في متابعة هذا الملف، وبهذا نضمن بألا يفلت مرتكبوها اليوم بقوة السلاح، من مواجهة العدالة غداً بقوة القانون. 
أعتقد أن هذه هي الشفافية التي يجب أن يتجرعها كل من يمتطي جواد السلطة في هذه المرحلة، وإن كانت مُرة، كي ننتقل ببلادنا إلى بر الأمان، وهو ما ينشده كل الليبيين في دولتهم الجديدة التي يتطلع فيها الجميع إلى الحرية والديمقراطية واحترام القانون، وتحقق أماني الشعب في التمتع بالعدالة الاجتماعية المفقودة بسبب الطبقية التي كانت سائدة بدولة الجماهيرية.
 وليفهم المتسلقون على أكتاف الثوار أن تقديم التضحيات لا يعنى الحصول على المكرمات أو ارتكاب الانتهاكات من أجل إشباع الرغبات، وإلا ما قيمة القضاء على نظام القذافي إذا كنَّا نحمل عقليته ونتصرف بسلوكه. فلن نمر للمستقبل بسلام إلا إذا أتعضنا من الماضي وطوينا صفحته، وفتحنا أخرى جديدة، يكتب فيها بقلم الحرية كل وطني يرفض مظاهر التعصب القبلية، والمحاصة الجهوية التي تشوه الديمقراطية وتعيق أي برنامج طموح يعزز الوحدة الوطنية.

وفق الله الجميع لخدمة هذا الوطن

للتواصل:

fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire