lundi 18 février 2013

ممتلكات الفارين في يد النَّهابين بقلم/ د. فرج دردور


كتبها د. فرج دردور ، في 13 مارس 2012 الساعة: 22:09 م


ممتلكات الفارين في يد النَّهابين

بقلم/ د. فرج دردور

لعل الكثير من القراء لا يريد تذكيره بالمقولات التي قضى تطبيقها، في وقت معين من الحقبة الماضية، على العدالة في ليبيا، فانتهكت بها حقوق الناس، وزُجَ بالسجن كل من رفض حتى ترديدها. وعلى الرغم من أن تطبيق تلك المقولات قد أُوقف العمل به منذ سنوات، ولم تعد إلا شعارات تُرفع لإرضاء مطلقها، إلا أنها صارت اليوم أكثر تطبيقاً من أيام زمانها. حيث تم وضع اليد على ممتلكات الفارين من أعوان النظام السابق، من قبل أعوان بعض المناطق النافذة في الميدان بقوة السلاح.
 هذه الممتلكات تعد بالمئات من الفلل الفاخرة، والمحلات التجارية، والاستراحات المبلطة بالرخام، والمزارع الفسيحة، في مناطق مهمة من طرابلس وضواحيها، وهي تقدر بمئات الملايين من الدينارات، معظمها وقعت في أيدي أفراد توفر لهم كتائب مناطقهم الحماية. واليوم هناك من يتحدث عن مجالس محلية وعسكرية، تقوم بتخصيص جزءاً منها لأقاربهم، كما تقوم بتقسيم بعض المساحات العامة إلى أراضي بناء.
وكثيراً ما تشاهد وأنت تمر بالطرقات، (مثل طريق المطار)، شعارات 17 فبراير، واسم المنطقة، مكتوبة على بوابات الاستراحات والمزارع المغتصبة، وعلم الاستقلال يرتفع فوق سطوح مبانيها، في إشارة تحذيرية واضحة بعدم الاقتراب منها، لأنها صارت في يد (ثوار تلك المناطق). وهو ما يذكرنا بأيام تطبيق مقولة (البيت لساكنه) على المنازل المقتحمة بقانون رقم (4). 
فهل يتعظ المقتحمون (الجدد) بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}، (النور 27)؟  ففي الآية الكريمة نهي واضح من الله سبحانه وتعالى، عن دخول البيوت دون إذن أهلها، فما بالك اغتصابها والمكوث فيها. ولن يُستثنى هؤلاء من عقاب الآخرة في قوله تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، (آل عمران 161). 
 وعلى الرغم من أن الثوار ذكروا في مناسبات عدة، بأن مشاركتهم في القتال من أجل تحرير ليبيا، كانت لوجه الله تعالى، إلا أن واقع الحال يدل على أن بعضهم ـ على الأقل ـ لا يزال متمسكاً بالحصول على ما يسمونه ـ جهلاً ـ بالغنائم والاحتفاظ بها، هذا إذا شاركوا أصلاً في معارك التحرير. أضف إلى ذلك العصابات الإجرامية المحترفة التي استغلت التعاطف مع تشكيلات الثوار، فكونت على غرارها مليشيات مسلحة تنفذ من خلالها جميع أنواع الإجرام باسم الثوار، وتعمل على تقويض أعمال الحكومة حتى لا يُفعل القضاء ويُفضح أمرها. وقد تكون مجموعات منهم اخترقت كتائب الثوار فشوهتها. يحدث كل هذا في الوقت الذي يقوم فيه بعض الثوار بواجبات حراسة وغيرها ولا يتقاضون أي مقابل يسد ولو حاجاتهم الضرورية، وهو من حقهم!!
 ومما يثير القلق أن بعض محرري العقود أصبح يتحدث عن حضور أفراد لمكاتبهم مستفسرين عن إجراءات نقل ملكية ما اغتصبوه. يقول صاحب مكتب محرر العقود (.........): "لقد حضر لمكتبي عدد من ثوار منطقة (.....) طالبين نسخة من مستندات منزلين فاخرين بمنطقة (.......) في مدينة طرابلس، لعلمهم بوجود نسخة من هذه المستندات بحوزتي، من جراء إتمام عملية بيع سابقة. وعندما خرجت معهم لمعاينة الموقعين وجدت سيطرة هؤلاء على المنزلين، ويقيمون فيمها إقامة دائمة، فتحججت بأنني لا أحتفظ بالمستندات التي مر عليها زمن". هذه الواقعة لربما تكررت في أماكن أخرى لا نعلمها، وهو ما يؤكد إصرار بعض المقتحمين على الاحتفاظ بممتلكات الفارين، بعدما كانوا يدَّعون بأنهم موجودون لأجل حمايتها من النهب، فصاروا هم الناهبون. 
 لعل هذا ما يفسر تأخر انضمام بعض كتائب (الثوار) إلى وزارة الدفاع والداخلية، حتى يحتفظ قادتها بمراكز قوتها، لضمان أن تبقى هذه المغتصبات بين أيديهم. وللأسف يُروج هؤلاء القادة، بأن بقاءهم هو بدافع خوفهم على الثورة من المخاطر التي تهددها. وعلى الثوار الشرفاء ألا ينجروا وراء هذا الرأي، لأن الحماية الحقيقية تأتي من الله أولاً، ثم من المؤسسات الأمنية، وليس من كتائب متمردة، وقد أُتيحت لها فرصة الانضمام لمؤسسات الدولة، ولا زال قادتها يماطلون لمآرب في نفوسهم. 
فالشعب الليبي الذي خلَّص البلاد بفضل ثواره من حكم الطغاة، قادراً على أن يهب مرة أخرى لانقاد الثورة من أي خطر ـ لا سمح الله ـ يحذق بها، دون انتظار الإشارة من قادة هذه الكتائب، ولنا في مدينة الكفرة أقرب مثل، عندما خرسوا، وهب غيرهم لنجدتها، فاحتووا الموقف. 
والحقيقة، إذا كان من الضروري مصادرة ممتلكات الفارين، فيجب أن يكون ذلك عن طريق القضاء. وخصوصاً، أن بعضهم نهبوا من ثروة الليبيين، ويمكن استرجاع جزءاً منها من خلال بيع ممتلكاتهم بالمزاد العلني، ووضع قيمتها في الخزانة العامة. والمقتحمون الجدد بتصرفهم هذا قد يحرمون الليبيين من استرجاع بعض من ثروتهم المسروقة. 
وعليه أصبح من واجب الحكومة والمجلس الانتقالي حسم هذا الموضوع وطرد المغتصبين، قبل أن يجد الليبيون أنفسهم أمام أمر واقع فرضه النِّهابون، يصعب علاجه في المستقبل، وقد تستفحل هذه الظاهرة لتشمل نهب ممتلكات الليبيين الموجودين عندما تنتهي ممتلكات الفارين. والحل يَكْمن من وجهة نظرنا، في تشكل لجنة تابعة للحكومة، تعمل على حصر ممتلكات الفارين ثم ضمها إلى الأملاك العامة، ليترك القضاء فيما بعد يبث في أمرها.
وفي حين يحاول البعض غرس رأسه في التراب مثل النعام، ويقول هذه أعمال فردية مثلما يصرح به بعض المسؤولين، فإننا نقول: إن عدم الاعتراف بالمشكلة لا يساعد على حلها، وخصوصاً أن العالم أصبح يراقب تصرفاتنا ليحكم بها علينا من خلالها. وقد بدأت تظهر بعض بوادر التململ من عدم سيطرة الدولة على أركانها، الأمر الذي سوف يحوّل التعاطف الذي حظيت به الثورة الليبية، إلى مواجهة مع منظمات المجتمع الدولي، مما يحرمنا من فرص كبيرة لإعادة بناء دولتنا، ناهيك عن تقويض اقتصادنا.
هذا ما استقيته من مصادر متعدد، ولا أقصد به توجيه الاتهام إلى طرف ما، بقدر ما هو لغرض التنبيه عن ظاهرة لا يستطيع أحد تقدير حجمها، مما يزيد من خطورتها. فإن أصبت فهذا من عند الله، وإن أخطأت فهو من عندي.

وما التوفيق إلا من عند الله

الاميل:
fdardour@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire